العدد 5774
الإثنين 05 أغسطس 2024
مهمة الكاتب إزعاج الآخرين.. سوق السناجق والرايات وأدخنة البخور!
الإثنين 05 أغسطس 2024

يقول المسرحي الإيطالي داريوفو “إن مهمة الكاتب أن يزعج الآخرين.. وليس مطلوبا منه أن يداعبهم ويمتعهم بما يريحهم”، ويقول المفكر الليبي الصادق النيهوم في كتابه “محنة ثقافة مزورة”: “في بلاد العرب، ومنذ فجر التاريخ كانت الثقافة سلاحاً مهمته الأساسية تجهيل الناس أكثر من تثقيفهم، ولهذا السبب سكتت الثقافات العربية عن قضايا الإنسان، وفشلت في تطوير مجتمعات حقيقية متحررة”.


دفعني إلى هذه المقدمة ما نراه اليوم من ظواهر غاية في الإدهاش في فضاء الثقافة العربية التي تحولت في السنوات الأخيرة، وبعد التخلي عن الحلم العربي، وبعد أن تم تمرير مشروع الهزيمة وحملنا على ابتلاعه، إلى سوق جديدة ترتفع فيها السناجق والرايات وأدخنة البخور وتعزف فيها موسيقى الزار وتضرب فيها الدفوف والطبول في إيقاع، يغيب عنها الإنسان وقضاياه الحيوية، إيذانا باختفاء فصيلة الكتاب والمفكرين والفنانين الذين قال عنهم الكاتب والمسرحي الإيطالي إن مهمتهم الرئيسية أن يزعجوا الآخرين، وحل محلهم أمثال أولئك الذين وصف المفكر الليبي صادق النيهوم دورهم  بتجهيل الناس لا تثقيفهم.. حيث يتعين على المفكر أن يقول كلاماً لا يزعج أحدا، كلاما بلا طعم وبلا رائحة وبلا أثر، لا يوقظ ضميرا أو عقلا. وسط التحولات الدراماتيكية التي يشهدها العالم والتحديات غير المسبوقة، والتي تعيد هندسة الجغرافيا السياسية، في حين يتقزم عالمنا العربي إلى الحد الذي أصبح فيه مجرد الحديث عن وطن عربي أو أمة عربية يثير نوعا من السخرية عند البعض.. ولكن إذا كانت الإكراهات السياسية قد قبلت التنازل عن الحلم العربي، وعن أن يكون للعرب وجود مؤثر في العالم، فهل من المقبول أن يقبل المثقف العربي ذلك؟

وهل من المقبول أن يقبل بموت الحلم العربي وأن يتنازل مع المتنازلين ويسخر مع الساخرين ويسقط مع الساقطين؟ إن المفكر الذي يسهم في النهوض بالفكر وإطلاق الروح وتحرير الإرادة لم يعد له مكان في الفضاء الثقافي العربي الحالي، وسط ازدهار سوق التفاهة، ومجتمعات غارقة في الجهل والبؤس أو في الاستهلاك.

* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .