عندما تتعقب شخصيات الروائي اليوناني الكبير إيليا فينيزي، وتحصي عدد أنفاسها، وتقترب من الأحداث وتفهم الحوار، وتطلع على المشاهد، ستكتشف أن لهذا الروائي عالما مليئا بقضية الحب الإنساني ومقاومة طعنات الحياة والقدر وأمنيات بأن تنعم البشرية بعهد جديد من استتباب الأمن وغلبة الحق وسيادة الحرية وإقامة العدل.
فهذا الروائي كما كتب عنه أحد النقاد يتقبل الحياة بصفة عامة على أنها مجموعة أساطير عليه أن ينظم بينها، ويقيم منها كلا متناسقاً في هذا العالم المضطرب المريض الذي يحوطه الشك من كل جانب، ليس ثمة أنبل من أن يسعى الأديب إلى نسمة إعطاء شيء يجعل تحمل الحياة ممكنا ومقبولا. نسمة نقية، ابتسامة، سكينة النفس والبال، ويتقبل فینیزي الحياة كما هي، خشنة قاسية على ذوي القلوب الرقيقة والحس المرهف، ظالمة جائرة بعبارة أخرى، لكنه يؤمن بأن هناك ركناً للإنسان يمكنه أن ينعم فيه بالشمس بمنأى عن الضراوة والعنف.
إن فينيزي لا يقبل أن يموت الضعفاء لأنهم لا يقدرون على الصمود، لكنهم بمجرد تقبلهم شعورهم وارتضائهم بالحياة على ما هي عليه والجهاد ضد مشاقها سيجدون السكينة وراحة البال. هذه هي إنسانية فينيزي، سعي جاد للتلطيف من حرارة الحياة وتخفيف عبئها على كاهل الإنسان، وبكل تواضع ومودة يساعد فينيزي الإنسان على شق طريقه وسط الصعاب، فالعالم مليء بالشر والغلظة والفظاظة.
كان لفينيزي موقف تجاه مجتمعه وتجاه فنه، وبما أن القصة أو الرواية تعتبر أثرا فنيا ووثيقة اجتماعية ونفسية وتاريخية تستقطب ما يختلج داخل النفوس البشرية من أحاسيس، فقد قدم لنا في أعماله الظاهرات الأصيلة للواقع الإنساني، إلى درجة أنه يجعل القارئ يشعر بأنه بطل قصته.
* كاتب بحريني