العدد 5777
الخميس 08 أغسطس 2024
banner
هونغ كونغ نموذج للاعتبار... دواء مر نتجرعه رغم أعراضه الخطيرة
الخميس 08 أغسطس 2024

لا مفر إذن، هذا هو الذكاء الاصطناعي صار واقعا، له ما له وعليه ما عليه، إن لم نستثمره فيما يفيدنا، فسيستخدمه آخرون فيما يضرنا.

ذلك ما أدركه العالم اليوم، بيد أن الجميع يدرك، كذلك، أن استثماره فيما ينفع، له مضاره أيضا، كالدواء المر، نتجرعه ولا نكاد نسيغه، ثم إن له أعراضا جانبية.

حديثا، أقدمت هونغ كونغ على خطوة إيجابية في استخدام الذكاء الاصطناعي، عززت المخاوف مما هو قادم من تهديدات على خصوصيات الناس.

رأت حكومة هونغ كونغ أن تزايد الجرائم التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، مدعاة للتوغل في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي استثمرت فيها كثيرا، لمواجهة هذه التحديات، مهما كان الدواء مرا، وكانت الآثار الجانبية مريرة.

ابتكرت هونغ كونغ نظام ذكاء اصطناعي متطورا يمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات المرئية في لحظات.

هذا النظام قادر على معالجة ساعة من لقطات المراقبة أو ما يقارب 6000 صورة في ثوانٍ، ما يمثل طفرة في توفير الوقت والجهد للمحققين.

يتميز النظام بدقة تصل إلى 80 %، ما يجعله أداة فعالة في رصد الأنشطة المشبوهة وتحديد المجرمين.

قدرته الفائقة على التعرف على الأنماط الدقيقة في الصور والفيديوهات، تمكّنه من اكتشاف أدلة قد تغيب عن عين الإنسان.

تبدو الخصوصية ـ المنتهكة ـ هنا للناس العاديين، الذين تصادف مرورهم تحت أعين كاميرات المراقبة، هي العرض الجانبي السلبي الأول، لكن ثمة عرضا جانبيا آخر طريفا في المسألة، هو خشية الضباط والمحققين أن تحيل تلك المنظومة معظمهم للتقاعد، وتكتفي بعدد محدود يلائم المهام الجديدة.

وتجنبا لمقاومة محتملة من الضباط والمحققين قد تفسد المنظومة وتظهرها بلا كفاءة، طمأنتهم الحكومة بأنها لن تتخلى عنهم، وأن تلك المنظومة لن تحل محلهم، بل ستكون وسيلة دعم تعزز من كفاءتهم، فالتحليل السريع للبيانات الهائلة يسمح للضباط بالتركيز على جوانب التحقيق الأخرى مثل استجواب الشهود وجمع الأدلة.

لكن الواقع يقول إنه لابد من التضحية بشيء، تقليلاً للأعراض الجانبية للمنظومة، التي تتضمن عرضا خطيرا لا يمس فئة الضباط والمحققين فحسب، بل يتعدى ذلك لجمهور أوسع، هم الناس العاديون المعرضون لمخاطر محتملة مثل إساءة استخدام هذه التكنولوجيا للتجسس أو المساس بخصوصية الأفراد، حال إطلاع عدد كبير من المحققين والضباط على تلك البيانات.

إلى ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذه الأنظمة قد يجعلها هدفًا للاختراقات، لذا، فإنه عاجلا أو آجلا، سيجري الاستغناء عن عدد ضخم من الضباط والمحققين، حينما تعلو صرخات الناس من الخصوصية المنتهكة.

على أي حال، ينبغي مراقبة تجربة هونغ كونغ في استخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة الجريمة، للاعتبار من إيجابياتها وسلبياتها، حين يجري تطبيقها في بلادنا العربية، التي تمثل فيها الخصوصية الاجتماعية معدلاً مهماً في حياة شعوبها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .