العدد 5771
الجمعة 02 أغسطس 2024
إجابات الذكاء الصناعي بالعربية.. بضاعتنا ردت إلينا
الجمعة 02 أغسطس 2024

سألت أداة متخصصة في الذكاء عن مقولة مأثورة، فنسبتها مرة لنبي، وأخرى لصحابي، قلت لصديق لي لو سألت أداة أخرى لنسبتها لشخص ثالث.

يسارع البعض لاتهام الذكاء الصناعي بالغباء، فيما يتبنى آخرون نظرية المؤامرة. لكن الأمر أعقد مما يبدو عليه، فالمشكلة لا تكمن في الأداة، بل فيما غذيناها به، هناك مثل عربي شعبي يقول “اطبخي يا جارية.. كلف يا سيدي”، يفيد بأن الخادمة لن تقدم إلا مما يوفره لها سيدها، بمعنى أوضح: لن يطبخ لك الذكاء الصناعي إلا مما تغذيه به من معلومات وبيانات، وهنا مكمن المشكلة العربية تحديدا.

جرب أن تسأل شات جي بي تي ChatGPT أو جيمني وغيره من أدوات الذكاء الصناعي اللغوي التوليدي عن مسألة ما باللغة العربية، ثم اسأله نفس الأسئلة باللغة الإنجليزية مثلا.

الإجابات العربية ستتضمن أخطاء فادحة في أسماء المراجع والكتب، ستتجرأ الأداة وتعطيك عناوين وهمية، وستورد لك أقوال فلاسفة ومفكرين لم يتفوهوا بها يوما، بل سيضحكون من نسبتها إليهم لو كانوا أحياء، خذ ما هو أفدح وأقبح: ستتمادى وتخترع أسماء كُتاب وعلماء لم يولدوا بعد.

ستجد ترهلا سمينا - لا ثمينا - في الصياغة الركيكة، وحشوا مبتذلا من العبارات الفاقدة للمعنى والدلالة.

الطريف أنك ما إن تواجه الأداة بفشلها وكذبها، تعترف لك فورا، وتعتذر دون تردد، متذرعة بأنها مجرد أداة لغوية قيد التطوير والتحديث.

على الناحية الأخرى، جرب أن تسأل بالإنجليزية، ستجيبك بثبات وثقة إجابات صحيحة المعلومات، محكمة الدقة، متماسكة الصياغة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الأداة استعانت بمحتوى عربي على الإنترنت ضئيل وضعيف وركيك وغير دقيق، خصوصا فيما يتعلق بالمعلومات الفنية والعلمية.

أذكر على مدى سنوات طويلة من عملي محررا لشؤون تقنية المعلومات والاتصالات، أن معضلة قلة المحتوى العربي على الإنترنت وانخفاض جودته، كانت محل مناقشات مطولة بين المتخصصين، وكان الفنيون سواء في الهيئات الرسمية المسؤولة أو الشركات المختصة بالبنية الأساسية ومزودي الحلول، يدافعون عن أنفسهم بالمثل الشعبي السابق ذكره، مؤكدين أن الأمر متعلق بمدى الإنتاج المتوافر من المحتوى المطلوب لتغذية الشبكة به، وهي مسألة مرتبطة بالواقع العربي عموما في مختلف أنشطته العلمية والثقافية. 

ما يولده الذكاء الصناعي هو محصلة ما تغذت به الشبكة العنكبوتية، وتلك بدورها انعكاس افتراضي للواقع الحقيقي، فأي حال للواقع العربي العلمي والثقافي الراهن؟ الإجابة على ذلك تحدد ما سنحصله من عون الذكاء الصناعي لنا.

باختصار، هي بضاعتنا رُدت إلينا.

* كاتب مصري وخبير بالاقتصاد الرقمي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية