من يصيبهم غرور القوة نادراً ما يتعلمون من التاريخ، ذلك السجل الشاهد على أخطاء من سبقوا لنعي الدرس ونتجنب المزالق. غطرسة القوة قادت هتلر إلى هزيمة مروعة في الحرب العالمية الثانية، في حين كان مسار الحرب منذ بدايتها عام ١٩٣٩ يكشف انتصار ألمانيا على كل الجبهات تقريباً، احتل هتلر بولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا لوكسمبورج والمجر وفرنسا ويوغسلافيا واليونان. الشاهد أنه حين دخلت قواته باريس وأعلنت فرنسا استسلامها عام 1940 أبدى الاتحاد السوفييتي استعداده للتعاون مع هتلر وكانت تربط بينهما معاهدة عدم اعتداء، أرسل مولوتوف رئيس الوزراء الروسي رسالة تأييد دعما لهتلر وانتصاراته: إن القيادة السوفيتية تبعث بأحر التهاني إلى ألمانيا وقيادتها الماهرة. إن الدبابات التي دخلت شمال فرنسا كانت معبأة ببنزين سوفييتي والرصاص الذي قتل الجنود البريطانيين اعتمد على بارود سوفييتي. وبدلا من أن يستقبل هتلر هذه اليد الممدودة للتحالف معه بالشكر والعرفان فإنه تجاهل مضمون الرسالة، وأعماه غرور القوة فأعلن الحرب على الاتحاد السوفييتي في يونيو 1941. تقدمت القوات الألمانية في الأراضي الروسية الشاسعة خلال الشتاء القارس فحاصرتها الثلوج أو الجنرال ثلج كما يطلق عليه الروس، ومع ضعف خطوط الإمداد تعرض هتلر للهزيمة في معركة كورسك ليتحول مسار الحرب كلها وتتم هزيمة ألمانيا بعد الإنزال البري لمليونين من جنود الحلفاء على سواحل نورماندي شمال غرب فرنسا، ما فتح الطريق لتحرير فرنسا وبلجيكا وهولندا ومواصلة الزحف إلى برلين. كان هتلر في البداية منتصراً وكان يمكن أن يخرج من الحرب بهذا النصر، لكن غطرسة القوة وغرورها قادته إلى هزيمة مروعة ونهاية مأساوية. إنه نفس غرور القوة الذي يجعل نتنياهو يصم أذنيه عن مظاهرات الداخل ومطالبات دول العالم بأن يكمل صفقة تبادل الأسرى مصمما على إبادة حماس وفتح جبهات قتال أخرى مع لبنان وحزب الله. غرور القوة يقود على الأغلب إلى هزيمة مروعة لمن لا يتعلمون من دروس التاريخ المرة.
* مدير تحرير “الأهرام”