العدد 5713
الأربعاء 05 يونيو 2024
سؤال لمشجعي ريال مدريد!
الأربعاء 05 يونيو 2024

عندما دخلت إلى عالم الصحافة للمرة الأولى، لم أكن ما أنا عليه اليوم. لست في أفضل حال على ما يبدو، ولكنني في ذات الوقت لست أسوأ مما كنت عليه قبل عقدين من الزمن.
أستطيع القول بعد 23 سنة، إنني مفعم بالتراكمات التي أوزعتني إياها السنون، ولا بأس في الاعتراف بأن الخبرة طوق نجاتي في عالم ترك التكنولوجيا تتحكم في مستقبله الزجاجي، وأصبح يسير بنمط سريع وكأنه رصاصة انطلقت من مسدس كاتم للصوت!
ولست أدري هل من المناسب أن أبوح بالسر الذي يشعل في داخلي رغبة الكتابة عن تلك الإمبراطورية الإسبانية التي تضيء الدنيا بنجومها، وتشعل الأدرينالين في شرايين الملايين من البشر حول العالم. هل أقول ذلك عن نادي ريال مدريد حقا؟!
في الواقع يعد النادي الملكي عراب الكرة الأوروبية ومؤلف قوانين أبطال القارة العجوز، باختصار عندما يكون الريال موجودا في دائرة المنافسة فإنه يتطلب على الآخرين عدم الشعور بالراحة لحظة واحدة، وعليهم أن يتحسسوا رؤوسهم بشكل مستمر! فلا أحد يدري كيف يمكن أن تنتهي هذه الفنتازيا الإسبانية التي تصنع صورة النصر الملكي الأبيض كما تصنع هوليوود بطولات أميركا في الأفلام السينمائية!
لكنها في كثير من الأحيان ليست نسخا قابلة للنقاش مثل “فيلم أميركي طويل”، وبالمناسبة هذا اسم المسرحية التي قدم عبرها زياد الرحباني نقدا ساخرا للحرب الأهلية اللبنانية في العام 1980، ولا بلد على وجه الكرة الأرضية مثل لبنان - حسب ما أعتقد - تلخص فيه الألوان ملامح الحياة، وهويات البشر وانتماءاتهم السياسية والرياضية على حد سواء!
لذلك فإنه من المبرر تماما أن ثمة شعوب أكثر من غيرها تستوحي رموزها من الألوان، كما يمكن للشعوب أن تتفق على الألوان لتحديد مسارات حياتها، مثل ما تفعل الإشارة الضوئية، أو الراية البيضاء التي تدل في الحروب على الاستسلام منذ زمن حروب الحضارات القديمة، وقد رفع الرومان الراية البيضاء سنة 109 للميلاد عند استسلامهم، وفي أوروبا كان اللون الأبيض يستخدم عموما إلى الشخص المعفى من القتال!
وهنا يكمن السؤال بعد المعرفة التاريخية لدلالات اللون الأبيض، الذي كثيرا ما توقفت عنده وأنا أقابل الورقة البيضاء طوال السنوات الماضية، وأتخيل في عقلي كيف يمكن أن أملأها وأنا متباهٍ بإنتاجي الأدبي، المرتجف من البوح بأفكاره الشاردة كمذنبات في سماء ليلة صيفية، وفي تعبيرنا المعاصر مثل معركة “صواريخ القسام والقبة الحديدية”، التي لا غرابة في أن تعكر صفو حياة صحافي رياضي يتسكع بين القنوات الرياضة والإخبارية!
ولأنني لا أكف عن الحديث عن ريال مدريد، ينتابني سؤال وأنا أختم هذه السطور: كيف تقنع مشجع ريال مدريد بأن يغير وجهة نظره عن اللون الأبيض؟ كيف تجعله يغير عقيدته ليدرك أن اللون الأبيض الممثل الرسمي للاستسلام، وأنه ليس التعبير الصارخ للنصر مثلما يحاول العملاق الإسباني أن يفعل، ومن خلال خبرتي الصحافية أستطيع القول بإنك لن تستطيع أبداً فعل ذلك، فعلامة النصر “ماركة مسجلة” باسم “الأبيض الملكي”.. وخزائن البرنابيو تشهد!

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .