العدد 5712
الثلاثاء 04 يونيو 2024
المكان يليق بك
الثلاثاء 04 يونيو 2024

من أصعب المفاهيم تلك التي يفهمها البشر بشكلها البديهي باعتبارها نهجا أصيلا وتبتعد في مضمونها عن واقع الممارسة والفعل، حتى تعكس أسلوب ومنهجية الحياة المعاشة، والسبب هو الاعتقاد المستمر بأن حفظ معنى المفهوم واستحضاره في الوقت المناسب يعني الإتقان التام للتطبيق وهو الأهم من إبراز ذلك في سلوك معين أو تصرف عند الحاجة، ومن هنا تظهر التناقضات التي قد تصدم الشخص بنفسه مع نفسه، لأنه قد يرى بأن عملية وضع القواعد التنظيمية لشخصيته تتضمن جميع ما تعرف عليه من مفاهيم ومصطلحات وفقًا لما يتم بلورته من الأسس التي تبدأ من الأسرة والمجتمع وكل ما يساهم في تنشئته والتأثير على استجاباته واتجاهاته.
ومن هنا يأتي التصادم في بعض الأحيان عندما يعكس الشخص بعض التصرفات التي قد تواجهه بالاستغراب والنبذ في مواقفه اليومية من قبل الذين يتعامل معهم، ما يحوله مدافعًا باعتبار أن جميع ما يصدر منه مدعى للفخر بحجة أنه أصيل التربية وعالي الخلق، ليكون هذا الرد بمثابة الشرار الذي يزيد الموقف اشتعالاً، ويبدأ الصراع بين معاتب يرى حاجة الشخص لإبراز قدراته السلوكية بشكل أفضل، وبين مدافع يدرك أنه يفهم حيثيات الموقف تمامًا ويردد كل مصطلحاته الدفاعية ويجتهد في استحضار جميع الكلمات التي تعلمها لكي تساعده في الحجة والتبرير .وبهذا أعزائي القراء، وبعد وقفات عديدة بين جملة من المواقف التي تعج بها حياتنا اليومية، أرى أمرًا ليس له آخر، وهو أن يضع الإنسان نفسه في المكان الذي يليق به، يرتقي بها، لأن الرقي ليس منحة تعطى من أحد، ولا سلعة يمكن شراؤها، إنما هو فكر مختلف، وإيمان مطلق، وتربية متأصلة، لذلك فإن الشخصية المدركة لحيثيات هذا المعنى راقية في ذاتها وأخلاقها وأفعالها وأقوالها، تبتعد عن الدنايا وما لا يشبهها، وتضع نفسها في الأماكن التي تليق بها.. فضع نفسك في المكان الذي يليق بك.
* كاتبة وأكاديمية بحرينية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .