مثالاً لا حصراً، هي واحدة من عشرات الحوادث الواقعية التي تشهدها العديد من المجتمعات في مختلف بقاع العالم، حين تضع تلك الزوجة النجيبة ما لديها - من تحويشة العمر - تحت تصرّف ذلك الزوج النبيل من أجل أنْ تُسنده في استكمال عشّ الزوجية عندما يأتي لها مُبيحاً عن محدودية دخله وصعوبة حياته وتراكم مديونيته. فتأتي – كحاتم الطائي – تجود بما تركه أبوها وخلّفته أمّها بعد موافاتهما الأجل من مَالٍ ومُلكٍ لتضعه في متناول بعلها المكلوم، بل وتبيع (حتى) مصوغاتها لأجل أنْ تستجمع (الفلس على الفلس) سعياً لرفع سقفٍ يؤويهما من قيضِ الصيف وبناء جدارٍ يقيهما صقيع الشتاء. وهذا كلّه بعطاء لا حدود له، ودون أنْ تأخذَ عليه مكتوباً لما أعطتْ أو تُلزمه موثقاً لما منحتْ، مبتغيةً العيش برفقته حياة هانئة.. إلى أنْ جاء ذلك اليوم الحالك الذي حتّم عليهما منغصّة الفراق وأجبرهما شرذمة الشتات؛ فيجحد - في لمحة بصر – عن شامل ما أعطتْ ويتنصّل من جميع ما أجادتْ؛ لأنّها ببساطة لا تملك مُستوثِقاً محفوظاً أو مدوناً يضمن لها رجعة لحقّها المسلوب!
التوثيق الذي يشتمل على الحجج والبراهين من أجل أنْ يحفظ الأموال ويُلقي الحجية في إثبات الحقوق دون إنكار أو إنقاص، هو ذاته الذي يرفع الريبة ويُبعد الخلاف ويُبدّد الشك في المعاملات التي قد يهدمها النسيان أو التناسي، والغفلة أو التغافل، والشبهة أو الاشتباه، والهبة أو الوصية، والوعد أو الثقة بما تُحدثه من شرخ في الروابط وشقاق في العلاقات، وهو الأمر عينه الذي أَمَرَ فيه ربّ العزة وحذر من التساهل فيه في أطول الآيات - وإنْ كان مبلغًا قليلاً أو قيمة زهيدة أو شأناً بسيطاً - وضرورته المُلحّة بين الأقارب والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وما شابه.
نافلة: 
يُشار لمنظومة التوثيق، بأنها واحدة من مبادئ العدالة الوقائية التي يترافق المسار القضائي فيها جنباً إلى جنب مع الأُطُر التنفيذية، وتسعى فيها الجهات العدلية إلى ترسيخ حجّيتها وتثبيت أحقيّتها عبر منصّاتها المختلفة في تعزيز خدماتها الموثوقية التي تحفظ الحقوق وتُمكّن الشراكة دون الحاجة لمراجعة المرافق العدلية أو إشغالها بمهمات ليس فيها عنصر "المنازعة" وسط أجواء من المرونة في العمل والانسيابية في الأداء في تسريع أعمال التوثيق وتسهيل إنجاز المعاملات أمام المستفيدين من المواطنين والمقيمين.

كاتب وأكاديمي بحريني