العدد 5484
الجمعة 20 أكتوبر 2023
banner
المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة
الجمعة 20 أكتوبر 2023

تلعب المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة دورا كبيرا وفاعلا في تحريك الاقتصاد وتوفير فرص عمل كثيرة للشباب بعيدا عن العمل في دواوين الحكومة، ولهذا تهتم كل الدول بهذا القطاع وتعمل على تنميته لدوره في زيادة المشاريع ومحاربة العطالة. ونلاحظ وجود اهتمام في البحرين بقيام هذه المؤسسات والعمل على دعمها وفق عدة بدائل. ولكن علينا التركيز في تثبيت الأسس الصحيحة لتمكين هذا القطاع من أخذ الريادة لتحقيق الفوائد لصالح الاقتصاد الكلي إضافة إلى الحصول على الفوائد الشخصية والذاتية لكل من يطرق هذا الباب الكبير، وهم كثر.
إن عمل هذه المؤسسات، وبالرغم من جاذبيته للكثيرين، إلا أنه لا يخلو من التعقيدات والتحديات المتعددة. ولقد تبين من التجارب العالمية الثرة أن طريق هذا العمل غير مفروش بالورود وأنه مليء بالتحديات الجسام التي قد تعترض مسيرة هذه المؤسسات. وعلينا الاستفادة قدر المستطاع من التجارب الأخرى وأن نحرص للبدء من حيث إنتهى من سبقنا. وانطلاقا من هذا فمن اللازم علينا معرفة التحديات التي مر بها العالم وهو يشهد ويرعى بداية قيام وسير هذه المؤسسات.
في البداية، لا بد من القول إن المشاكل أو التحديات قد تتعلق بعمل المؤسسة نفسها أو قد تتعلق بالفرد صاحب المؤسسة. والنظرة يجب أن تكون شاملة لمجابهة كل هذه التحديات مجتمعة لأنها متداخلة فيما بينها. وسنتطرق إلى بعض التحديات بغية معرفة آثارها وكيفية تطوير أفكارنا لمقابلتها و "حلحلتها". ومن أهم التحديات المتعلقة بالأفراد من أصحاب المؤسسات تلك الخاصة بعدم وجود الخبرة وضيق التجربة بما يؤثر سلبا ويقود إلى الضبابية في الرؤية وعدم اتزان الخطى. وهذا يتطلب الاهتمام بالعنصر البشري وتدريبه وتأهيله لدرجة تمكنه من السير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الفوائد المرجوة.
ومن التحديات المؤسسية المتعلقة بهذه المؤسسات، نذكر وجود الرغبة الجامحة المقرونة مع الطموح النظري لدى البعض من أصحاب المؤسسات في التوسع السريع للعمل من أجل الوصول للقمة في أسرع وقت ممكن. وهذه مشكلة حقيقية قد تقود إلى انهيار العديد من المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لأن أصحابها يتطلعون إلى النمو السريع لتحقيق الكسب السريع، وقد يكون لهذا الوضع علاقة بأعمار أصحاب المؤسسات لأن غالبيتهم من الشباب وهذه الفئة بحكم وضعها تتعجل الأمور وترغب في الصعود سريعا، وبسبب هذه السرعة قد يحدث السقوط. والسرعة في الدخول في المشاريع الكبيرة أمر خطير نظرا لعدم وجود الخبرة والتجربة لإدارة المشاريع الكبيرة التي قد يتم الدخول فيها دون معرفة المخاطر الخاصة بها. وعليه لا بد من مراقبة هذا الحماس لكبحه إذا تجاوز الحدود وعلى الجهات المختصة عمل المراقبة اللصيقة والتدخل في الوقت المناسب بنصح الشباب من أصحاب هذه المؤسسات للتريث في البداية و"مد رجولهم قدر لحافهم". وهذا يتطلب وجود علاقة مباشرة بين الجهات الرسمية وهذه المؤسسات.
من التحديات المؤسسية، عدم القدرة على تبني استراتيجيات واضحة  تحدد ما تقوم به هذه المؤسسات من أعمال وما تنتجه من هذه الأعمال، وكيفية تسويق هذه المنتجات ومتى يبدأ التسويق الصحيح وكيف يتم ومن يقوم به، ومتى يتم التوسع في المنتجات ومتى يتم تحديث هذه المنتجات لمسايرة متطلبات المستهلك وأحكام السوق ...، ولذا يجب على كل الجهات الرسمية والأهلية، وهي كثيرة، مساعدة المؤسسات في وضع الاستراتيجيات المناسبة لكل مؤسسة. وكل مؤسسة يتم التعامل معها وفق وضعها من حيث رأس المال، الإدارة، الجاهزية...الخ. ولذا يجب على كل الجهات بذل الجهد والريادة من أجل تقديم القدوة في مساعدة الأفضل من هذه المؤسسات.
من التحديات الكبيرة، عدم حصول المؤسسات على التمويل الكافي للقيام بأعمالهم خاصة وأنهم في بداية نشاطهم وفي الغالب ليس لهم أي ضمانات لتأمين تغطية التمويل. وهذه المشكلة قائمة في كل مكان ولابد من البحث الجاد لإيجاد توفير البدائل لتمويل هذه المؤسسات، وهو قرار ننصح باتخاذه لقيام مؤسسة قومية لضمان تمويل هذه المؤسسات المتعطشة للدعم. وهذه نقطة جوهرية لدعمها وتمكينها من الاستمرار في نشاطاتها.
وقد تنجح بعض المؤسسات في الحصول على التمويل ذاتيا أو من جهات ذات علاقة تقوم بتوفير كل الأموال المطلوبة لدعم المشروعات والنشاطات ولكن هذه المؤسسات، في نفس الوقت، قد تفشل في الحصول على الموارد البشرية المطلوبة للقيام بالأعمال وتنفيذ المشروعات وفق الطرق الفنية الصحيحة ويجب تدارك هذا الوضع بالبحث عن الكفاءات النشيطة والراغبة في العمل على أن يتم تدريب هذه الكفاءات أثناء العمل وفق خطط تدريبية مدروسة وناجحة من النواحي العملية. وهنا يجب على المؤسسات الرسمية والأهلية تكثيف الجهود من أجل تدريب الشباب ليتمكنوا من القيام بمهامهم عند الانخراط في العمل في هذه المؤسسات أو عند تأسيسهم لها.
ما تقدم يمثل بعض التحديات التي تعترض قيام وأعمال هذه المؤسسات وهذه التحديات بالضرورة، تؤثر على كل مؤسسة وفق وضعها وإمكانياتها ومن يقوم برعاية أعمالها ونوعية هذه الأعمال. وهذه التحديات أيضا تختلف من مكان لآخر ولكنها، قطعا موجودة وبصورة ملموسة، ويجب دراسة هذه التحديات والعمل على تطويعها أو القضاء عليها بكل السبل حتى تنفتح الأبواب أمام هذه المؤسسات للقيام بدورها في البحرين. وهذا هو المستقبل الموعود.

الخبير والمستشار القانوني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية