العدد 5465
الأحد 01 أكتوبر 2023
عطف صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وصفحُه عن فلاح قصَّر في عمله بشكل مريب
الأحد 01 أكتوبر 2023

كلفتُ من قبل رجل الأعمال السيد ناصر بن محمد جميل العريض في عام 2017م، وكلف معي أيضًا الدكتور محمد حميد السلمان والفنان عبدالكريم العريض بإعداد كتاب عن شخصية الوجيه منصور العريض والذي صدر في عام 2018م بعنوان (منصور العريض .. تاريخ وطن)، توليت فيه بشكل خاص توثيق دور الوجيه منصور العريض في حل مشاكل المواطنين ومساعدتهم.
من بين تلك المواقف حادثة مثيرة جدًا ومؤثرة جدًا في آن واحد ذكرها أحد المقربين من الوجيه منصور العريض، وهو ابن أخته جعفر المخرق الذي شهدها بنفسه، والتي تؤكد بجلاء جود وكرم وتسامح صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين تجاه مزارع لجأ إلى الوجيه منصور العريض في ليلة شتوية قارسة البرودة وشديدة الأمطار، فتم إدخاله في المجلس.
لاحظ الوجيه منصور العريض خوف وهلع المزارع، فقال له: لماذا أنت في خوف وهلع؟ فأجاب بأنه يعمل في بستان لصاحب العظمة حاكم البلاد، وقد اُقتلعت نخلة من البستان وتم اتهامه باقتلاعها، وأنه خائف من فقدان عمله ومحاسبته ثم سجنه.
قال له منصور العريض اصدقني القول إن أردت مساعدتك؛ لأنه يبدو لي أنك قمت بعمل مريب، فاعترف المزارع بأنه هو من اقتلع النخلة وباع جميع أجزائها؛ للحصول على المال. فغضب العريض ووبخه قائلًا: ما قمت به خطأ كبير وتصرف غير لائق، وخيانة للأمانة، ثم كيف تسيء إلى من أحسن إليك.
ذهب العريض في اليوم التالي لمقابلة صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وبعد الحديث الخاص بينهما طلب من صاحب العظمة أن يعفو عن المزارع، فعفا عنه وأعاده إلى العمل بالبستان. ثم طلب العريض قبل أن يودع عظمته أن يتكرم بمساعدة الفلاح ماديًا، فما كان من عظمته إلا أن قدم مبلغ ألف روبية، وهو مبلغ كبير جدًا حينذاك، الأمر الذي جعل العريض يفكر كيف سيتصرف ذلك الفلاح المسكين الفقير بهذا المبلغ الكبير جدًا. 
عندما رجع الوجيه منصور العريض إلى منزله وجد الفلاح واقفًا أمام المنزل يترقب خائفًا وجلًا على مصيره، ففاجأه العريض بقوله لقد عفا عنك صاحب العظمة، وتستطيع مزاولة عملك في البستان اعتبارًا من هذا اليوم، فاستهل وجهه فرحًا.
تعجب المزارع من كرم الحاكم وسعة صدره ونبل أخلاقه السامية. ومد العريض يده إلى جيبه وأخرج ألف روبية، وقال له: أريد أن أسلفك ألف روبية على أن تردها إليَّ خلال أشهر قليلة، فماذا ستفعل بهذا المبلغ؟ فأجابه المزارع سأصرفه في تأدية الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة. فقاطعه الوجيه منصور العريض، وقال لن أسلفك المبلغ؛ لأنك في هذه الحالة لن ترده لي.
طلب الفلاح بإلحاح شديد من الوجيه العريض أن يقرضه المبلغ وينصحه في كيفية استثماره، فنصحه باستئجار مزرعة وشراء مجموعة كبيرة من الماشية؛ لأنها تتكاثر بسرعة، كما أن منتجاتها مصدر رزق كبير أيضًا. 
عمل الفلاح بنصيحة العريض، وفي غضون ثلاثة أشهر عاد الرجل إلى منزل العريض وكان مرتديًا ملابس فاخرة، وسلمه الألف روبية، وقال أصبحت الآن بخير جدًا وأصبح لدي مال كثير وأنا أشكرك على مساعدتك لي ونصيحتك التي لن أنساها طوال حياتي.
أعاد العريض الألف روبية إلى المزارع، وقال له: اشكر صاحب الفضل الذي منحك هذا المبلغ والذي هو سبب غناك بعد أن كنت فقيرًا معدمًا، ولا تشكرني أنا. فقال متعجبًا من هو صاحب الفضل غيرك! فأجابه صاحب الفضل الذي تكرم عليك بهذا المبلغ الكبير هو صاحب العظمة حاكم البلاد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وعند سماعه ذلك احمر وجهه خجلًا من كرم الحاكم وتسامحه وفضله، وقال وهو يمسح دموعه من هول هذه المفاجأة: مهما فعلت، فلن أستطيع أن أرد لحاكمنا المعظم جزءًا من جميله، فقد أسأت فقابلني بدل الإساءة بإحسانه وفيض كرمه.

التعليقات

2023 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .