استكمالا للحديث حول الصحبة الهاربة، يمكننا المحاولة ولو باليسير لحلحلة الفجوات التي خلفتها عوامل التعرية، كما في حال الكثيرين الذين لا يعرفون أسبابًا لما يبعدهم عن أنفسهم والآخرين.
ولكم في ذلك من خسائر قد تعود آثارها الوخيمة في المحيط الذي يعيشون فيه، ومن هنا أذكر حديثا دار بين مجموعة من الأشخاص حول قصة شخص ظل ينتقل من تخصص دراسي إلى آخر في المرحلة الجامعية، ولم يتمكن من الحصول على المؤهل الذي يرغب فيه سوى أنه أمضى من عمره سنوات طويلة وهو يجرب ويحاول، لكنه للأسف لم يصل إلى مبتغاه وأخذ منه اليأس والتراجع مأخذًا بالغًا قويًا.. ومن هذه القصة وفي أقل تقدير لها ولصاحبها البطل الذي تحمل كل ذلك العناء الذي كاد به أن يحصل على أعلى المؤهلات العلمية في تلك الفترة الدراسية الطويلة لو سار بنفسه مسارًا واضحًا، بل إنه ظل يدور كمن فقد بوصلته أو أنه ردمها أو جرفها مع الجارية والواردة. لذلك فإننا ندعو كل فاقد لنفسه لضرورة العودة إلى نفسه من جديد، فلا يوجد أبسط من إدارة الذات وبناء الهوية الشخصية التي تسمح بمرور العلاقات الطبيعية في مختلف محطات الحياة. لذلك فإن القواعد الأساسية في كل ذلك تكمن في حجم المفاهيم التي يمتلكها الشخص عن ذاته والمحيط وسبل ترجمتها وتوظيفها بما يؤسس لمنهجية تقهر المتغيرات التي تعتري مسألة الثبات والاتزان وهي الأسس التي تمنح الذات القدرة على التواصل مع العالم بمصداقية تامة، وبذلك يكون الأساس الذي يمنع أية آثار لعوامل التعرية واحتمالاتها مهما تنوعت وقست.
ومهما يبدو ذلك صعبًا بما يحمل من ظروف ومواقف، فإن الأمر يبدو يسيرًا عبر تجزئة التجارب والإيمان بوجود عالم به ما يستحق أن نرتبط به، ونسعى من خلاله إلى تعزيز العلاقة بين الذات وما نصدره من إشارات وتعبيرات لا تكاد تكون الأساس في نجاح العودة وربطها بمن قبلها من قواعد لضمان الانسجام التام بين مختلف الظروف والتكيف، بما يتجانس مع الواقع من جانب، وما تحدثه المتغيرات والظروف من جانب آخر، وهذا هو النضج الذي لا ينظر فيه المرء للآخر إلا مكملا له، فلا يمكن حماية الأرض من عوامل التعرية إلا عندما يكون قلبها في صدارة العالم مرحبًا بالجميع.
كاتبة وأكاديمية بحرينية