العدد 5342
الأربعاء 31 مايو 2023
banner
رواد التعليم المجاني الثلاثة
الأربعاء 31 مايو 2023

ثمة ود متبادل بين المفكر وعميد الأدب العربي طه حسين وأحمد نجيب الهلالي الذي تولى وزارة المعارف ورئاسة الحكومة غير مرة،وهذا ما يلمسه أي متابع للأحاديث والحوارات الإعلامية التي اُجريت مع العميد، والهلالي هو نفسه-كما أسلفنا- من أشار على مصطفى النحاس باشا باختيار حسين وزيراً للمعارف، عوضاً عنه عندما رفض طلب النحاس توليه هذه الوزارة، ولاشك أن العميد قد تناهى إلى علمه هذا الاقتراح الذي قدمه الهلالي إلى النحاس، مما عمق ثقة طه حسين في الهلالي واحترامه، حتى مع توليه المنصب على مضض. ومع أن طه حسين اشتهر بالمقولة الذهبية البليغة: "التعليم كالماء والهواء وحق لكل إنسان"، ومع أنه كان له دور في ترجمة هذا الشعار جزئيا إلى حيز الواقع إبان توزيره على المعارف، إلا أنه لم يتنكر لشخصيتين سياسيين بارزتين كان لهما أيضاً دور مهم في أن يبصر المصريون نور العلم كاستنشاقهم الهواء، وأن يغترفوا من مناهله المتعددة كاغترافهم الماء مجاناً. ففي أحد أحاديثه الإعلامية نوّه العميد بثلاث شخصيات كان لهم الفضل تاريخيا في إقرار مجانية التعليم بمختلف مراحله: الأول هو أحمد نجيب الهلالي باشا عندما أقر خلال توليه وزارة المعارف مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية، والثاني هو طه حسين نفسه عندما أقر خلال توليه الوزارة نفسها مجانية التعليم للمرحلة الثانوية، والثالث هو رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر الذي تحقق على يده مجانية التعليم الجامعي.
ويشير العميد بهذه المناسبة إلى واقعتين طريفتين تعكسان العقلية السائدة حينذاك لدى الأوساط الحاكمة المناوئة لمجانية التعليم: الأولى تتمثل في الحديث الذي دار بين الأمير محمد علي( ابن عم الملك فاروق) والنحاس باشا الذي تباحث معه حول إطلاق مجانية التعليم لكل الشعب المصري الذي نادى به طه حسين، فعلق الأول متسائلاً، أنه إذا ما عملنا بمشروع طه حسين فمن يخدمنا في بيوتنا بعدئذ؟ فرد الثاني أولم تجد من يخدمك في الفنادق التي نزلت فيها في اوروبا؟ فقال: بلى، فرد النحاس بأن كل من خدموك هناك ياسيدي كانوا متعلمين، فرد الأمير: إذا كان الأمر كذلك فلا بأس. أما الواقعة الثانية فتتمثل في أنه عندما كان وزيراً المعارف حيث استمات ببذل قصارى جهده لتحقيق مجانية التعليم العالي، إلا أن الملك رفض بشدة مطلب طه حسين؛  معللاً رفضه بأن هذا الأخير يريد من هذا المشروع نشر الشيوعية، ولما كانت الشيوعية تشكل في تلك الفترة بعبعاً سياسيا، وكان الحزب الشيوعي محظوراً، فقد أقتفىٰ مجلس الوزراء أثره ورفض بدوره مشروع حسين لمجانية التعليم الجامعي. 
والحق كان التأخر في إقرار مجانية التعليم بمثابة جريمة حضارية وإنسانية بحق شعب مصر العظيم، وصاحب واحدة من أعظم الحضارات البشرية، وإذا كانت مصر التي كانت تبلغ نسبة الاُمية فيها أوائل خمسينيات القرن الماضي 65% من الذكور و 85% من الأناث، طبقاً لدراسة أعدتها الباحثة المصرية آية سمير غريب في كتابها " الاُمية في مصر 1923-1952” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب،  ومع ذلك عُرفت بدورها النهضوي الريادي في العالم العربي، فلنا نتخيّل مدى عظمة هذا الدور في المنطقة والعالم لو أقرت مجانية التعليم منذ وقت مبكر، على الأقل منذ أستقلال مصر عام 1922. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية