العدد 5315
الخميس 04 مايو 2023
banner
مواكب للعزاء أم التحريض؟
الخميس 04 مايو 2023

سنويًا وفي شهر رمضان، تكتظ العاصمة البحرينية المنامة، والعديد من المدن والقرى الأخرى، بمواكب المعزين في ذكرى وفاة الإمام علي بن أبي طالب.
هذه المواكب جزء من تاريخ البحرين، ويشارك فيها جمهور واسع من المواطنين والمقيمين، ودائمًا ما تجد هناك زوارًا من خارج المملكة، وأفرادًا غير مسلمين أيضًا ضمن الجمهور، كونها لا تعبر عن حالة دينية وحسب، بل هي تمظهر لسلوك اجتماعي واسع، يثير اهتمام السياح بوصفه كرنفالًا احتفاليًا من جهة، ومختبرًا لعلماء الإناسة لتحليل ما وراء الخطاب والطقس، وفهم الإشارات التي يحيل لها، والثقافة التي ينتجها، والهوية التي يكونها وتكونه في آن معًا. هذه المواكب تعمل على التغذية الفكرية – الاجتماعية، لما بها من شحنة عاطفية – دينية، وبالتالي قدرتها على التأثير السريع وتشكيل الرأي العام المحافظ، واستجلاب حميته، وتوجيه ذهنيه نحو قضايا محددة يراد مناقشتها أو شعارات ما يتم العمل على تعميمها.
بعض مواكب هذا العام، في ذكرى علي بن أبي طالب، كانت استثنائية، كونها في أكثر من ليلة تناولت موضوع “جميعة التجديد الثقافية الاجتماعية” محذرة من خطابها، معتبرة إياها امتدادًا لما سماهُ المنشدون بـ “بدعة السفارة”، داعين للحذر من أفكار الجمعية، ومواجهتها، بل ونبذ أصحابها وعزلهم اجتماعيًا! إن ما يثير الاهتمام ليس النقد الموجه لأفكار “جمعية التجديد”، فالمثاقفة أمرٌ صحيٌ إذا تم بعلمية ومنهجية، رغم أن مجالس العزاء ليست مكانها الصحيح. غير أن كمية التحريض والعنف الرمزي الذي تضمنته القصائد التي أُلقيت في المواكب، من المهم التوقف عندها، والسؤال: هل تحول العزاء من طقس يفترض به أنه ديني بحت، إلى خطابٍ إقصائي يغذي الكراهية ضد المختلفِ ويعمل على شيطنته، ويمهدُ لاغتياله معنويًا، وبالتالي خلق تكتلاتٍ مجتمعية متحزبة، تكره بعضها بعضًا، وتتوسم الدين واسم الإمام علي بن أبي طالب في صراعاتٍ بشرية صرفة، كان يفترض تحييد الدين عنها؟
من يقولُ إنه يسيرُ على نهجِ عليٍ، فعليه أن يترك الضغينة، وأن يكون خطاب هذه المواكب رحمة للعالمين لا عذابًا عليهم ونقمة، أن يكون عامل ألفةٍ لا رماحَ فرقة وتشرذم! من العبثِ أن يتحول المنشدون الدينيون إلى أصواتٍ تكرر برتابة مقولات تحشيدية، تخاطب غرائز الجماهير، غير ملتفتةٍ للخطر البالغ المترتب على هكذا سردياتٍ ستؤثر لا محالة على السلمِ المجتمعي.
حتى لو اعتقدت أن خطاب “جمعية التجديد” خاطئ، فليست تلك هي الطريقة لنقضِ أفكارهم، فشتان بين النقد الموضوعي والتحريض!
كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية