العدد 5266
الخميس 16 مارس 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
الثقافة سند الحداثة والتنمية
الخميس 16 مارس 2023

إذا كان من البديهيِّ الإقرار بالعلاقة الجدلية بين (السياسي) و(الثقافي)، فإنه يُصبح للثقافة، بمعناها الشامل، دورٌ حاسمٌ في البناء السياسيِّ والتنمويِّ للمجتمعات.
وعلى سبيل المثال، فإن الديمقراطيةَ - علاوةً على أنها أسلوبٌ للحكم - فهي سلوكٌ وممارسةٌ اجتماعيةٌ، لا تنفصل عن فكر يقودها، وعن تصورٍ للحياة والمجتمع ومجمل قضايا الحياة تستنير به. ومن هنا يأتي دور الثقافة في جعل الديمقراطية قيما وفكرا ورؤية للحياة والعالم، ليس في سماء المثال فحسب، بل وسلوكا واعيا وحاجة ملحة، واحتراما لشروط العيش المشترك الذي يقوم على التقبل والتعاون والتضامن والوحدة في إطار التنوع واحترام الآخر.
ليس المقصود هنا سيادة الثقافي على السياسي، بل اعتبار (السياسي) للثقافي طاقةَ توجيهٍ على صعيد الواقع الحيّ في التأثير في توجهات الجمهور، ومن هنا تأتي الحاجة لأن تحتلّ الثقافة مكانة بارزة ومتميزة في المشروع المجتمعي، لأن الثقافة هي تلك التي بها نندرج في سياق الحضارة ونحتلّ بها وبواسطتها مكانة بين الأمم، وتسهم بمقتضاها بقسط وفير في إرث الإنسانية. ولذلك تأتي الحاجة للعمل ضمن هذه المقاربة على توفير الآليات الكفيلة بمزيد دعم الثقافة وتعميق الوعي بقضاياها، إيمانا بأن دفع النموّ وتطوير المجتمع إنما يكتمل بشمول الثقافة لكافة فئاته، حتى تكون النقلة النوعية مؤسسة على اقتناع الفرد بمسؤولياته وإدراكه قدراته والاندفاع في نشاطه بما يجسّم التحول نحو المجتمع الديمقراطي الحر.
وبالرغم من أن الدولة لم تستثن الثقافة من الاهتمام بالتمويل والتطوير والرعاية، إلا أن المطلوب أكثر من ذلك، وهو جعل الثقافة جوهر التنمية وقلبها النابض وهدفها الأسمى، بدعم الإبداع ودعم المبدعين وفتح المزيد من الفضاءات الثقافية الحية والمؤثرة. وذلك لأن السياسة الثقافية للدولة الحديثة في العالم المتقدم تعتبر الإنسان جوهر كل شيء وهدفه، لذلك قامت على مبدأ دعم الدولة للمشروع الثقافي الحداثي الذي يحتفي بالحرية والعقلانية والتنوير والتنوع باعتباره مصدر ثراء، وذلك لأن الذوق العام والتوجهات الفكرية وحتى السياسية في المجتمع يصنعها المثقفون والمبدعون مهما كانت انتماءاتهم الفكرية وألوانهم السياسية.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .