العدد 4982
الأحد 05 يونيو 2022
banner
بين حدثين
الأحد 05 يونيو 2022

لم تكن صدفة تلك التي وضعتني بين حدثين خلال أسبوع واحد، الحدث الأول كان ابنًا شرعيًّا لندوة نظمها النائب إبراهيم النفيعي عن التاريخ، تاريخ كل شيء تقريبًا، التعليم، الصيرفة، العمل الخيري، الإدارة العامة وغيرها، والثاني تحدثت فيه لتلفزيون البحرين عن المستقبل، بمعنى أن أحد الحديثين يوثق، والآخر يُبشر، الأول يسافر معنا إلى أكثر من مئة سنة إلى الوراء، والثاني نحاول أن نقرأ من خلاله الطالع.
أيًا كان المؤشر، صاعدًا إلى الأمام، أم متراجعًا إلى الوراء، فإن الحديث عن المستقبل لا يمكن فصله عن الماضي، في الماضي تحدثت بندوة النائب النفيعي عن تاريخ التعليم النظامي في المملكة، عن الهداية الخليفية وأيامها، عن المشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم وما نتج عنه من قيام أول جامعة خاصة في المملكة العام 2001 وهي الجامعة الأهلية، وما تبعها من جامعات حتى وصل العدد إلى 15 جامعة خاصة في الوقت الحاضر، ثم الحديث التلفزيوني عن المستقبل بالتحديد عما يمكن أن نطلق عليه بالتعليم الأخضر، بتلك المناهج التي لا تخلف هدرًا للأوزون، والمنظومة التي لا ينتج عنها تحرشًا مسيئًا للبيئة، أو تماسًّا شيطانيًّا مع التلوث بكل أشكاله وأنواعه.
عندما ذهبت إلى الماضي كان حديثي طموحًا، وحين تحدثت عن المستقبل كانت عيناي على الماضي، أحدهما أو كلاهما لا يمكن الفصل بينهما على أساس الزمن، ولا يمكن غضّ الطرف عن أحدهما ونحن بصدد الحديث عن الطرف الآخر.
الماضي والمستقبل، شقَّا رحا بين منطقتين شديدتي الوعورة، بين حلمين أحدهما تحقق، والآخر نسعى إلى تحقيقه، وبين شوطين أحدهما قطعناه حتى آخره، والآخر مازلنا نخطو على سجادته الحمراء أولى خطوات الألف ميل.
في الماضي تحققت أحلامنا بمدارس نظامية على أعلى مستوى، وجامعات حكومية وخاصة جعلتنا على مشارف التنوير بل والتمركز في منتصف خارطة الطريق حاملين الرايات، ومبشّرين بالمعرفة، ومسطّرين أعظم الإنجازات في تاريخنا الوطني الحديث.
عندما تحدثت في ندوة النفيعي لم يشاطرني أحد أفراحي وحسب بقدر ما كانوا يشاطرونني معاناة السنوات الطويلة، لا شيء يتحقق اعتباطًا، ولا أمل نصل به إلى الهدف تلقائيًّا وكأن جهدًا لم يبذل، أو ضحايا لم تسقط، أو أيام أجمل لم نعشها بعد، فالتحقق هو عنوان الحقيقة، والتأكد هو الأسطر المكتوبة بأحرف من نور على المدى من الحاجات التي نواجهها بأقل الإمكانات.
هذا هو ما وددت الحديث عنه في ندوة النفيعي، وهذا ما حرصت أن أشير إليه عندما نتحدث عن التعليم وصناعة العقل النوعي للأمة، لكن ذلك لم يكن بالتحديد هو مربط الفرس عندما كان الحديث التلفزيوني موجّهًا نحو بيئة مستدامة صنوانها تعليم متطور بأقل الخسائر، وتدريب متقدم لا ينتج عنه تلوثًا، وعن التقليل قدر الإمكان من استخدام الورق والتركيز على التكنولوجيا الحديثة، والآليات المرتبطة بشبكة الإنترنت الجهنمية، وتلك التي فرضت خلال الجائحة تقنية فائقة الجودة؛ من أجل إعادة التواصل، ومواصلة المسيرة من خلال تقنية الأون لاين، أو تلك المسماة بـ“التيمز”.
لقد نجحت الجامعة الأهلية مرتين، مرة في الماضي وهي تخترق جميع الحواجز لتصيب الهدف مع ولادة مشروع حضاري كبير مرتبط بالإصلاح الشامل، والأخرى عندما وضعتنا جائحة كورونا أمام التحدي الأكبر بفرض التباعد الاجتماعي ضمن بروتوكولات المقاومة للفيروس اللعين.
بين الماضي والمستقبل نصنع حاضرًا مزدهرًا برجالنا، بطموحنا، بمعمارنا العلمي، وعمراننا الأخلاقي، ووفائنا لقادتنا وشعبنا، إنه الحاضر الذي كان نصب أعيننا ونحن نتحدث عن الماضي بفخر، وعن المستقبل بأمل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية