العدد 4968
الأحد 22 مايو 2022
banner
الغبار والمناخ والبحث العلمي
الأحد 22 مايو 2022

قد يبدو الموضوع عاديًا، وقد يتكرر كثيرًا ربما طوال العام، لكن الملفت هذه الأيام أن هجمة الغبار التي اجتاحت دولاً عربية عديدة وبينها مملكة البحرين قد استمرت لأكثر من أربعة أيام، وخبراء الأرصاد يتوقعون بقاءها جاثمة على الصدور للأسبوع القادم.
الأسباب المعلومة والتي تمخضت عنها البحوث وتفسيرات الخبراء تعود إلى قلة الأمطار هذه السنة، وبالفعل لم تهطل أمطارًا تذكر خلال الشتاء المنصرم، الأمر الذي أدى إلى تفكيك التربة الرملية التي تحيط بالمنطقة عن طريق صحاريها مترامية الأطراف، وغياب الوادي الأخضر الذي يمتص جزءًا من هذه الطبيعة المتقلبة في المنطقة.
هنا كان يجب على مراكز البحوث العلمية وعلى الجامعات أن تسبق الحدث بخطوات بل بشهور، وأن تنبري وتتوقع بأن الشتاء الذي لم يشهد أمطارًا، سوف يعقبه صيف ملغوم بالغبار والعواصف الرملية التي تزكم الأنوف وتخنق الصدور وتشكل خطرًا كبيرًا على المصابين بأمراض الحساسية والربو والأزمات الصدرية باختلاف أنواعها وعلى تنوع درجات حدتها.
كان يجب على الجامعات أن تلعب دورًا تنويريًا لخدمة المجتمع، وأن تكون البحوث العلمية البيئية أكثر شجاعة وهي ترى وتراقب وتفسر الظواهر الطبيعية قبل أن يقع الفأس في الرأس، وقبل أن تحل الكوارث على رؤوس العباد.
المطلوب هنا ونحن نعيش طفرة نفطية جديدة أن نستثمر أكثر فأكثر في البحث العلمي، أن نبدأ مشروعنا الحضاري الإقليمي الكبير بزراعة مئات الملايين من أشجار النخيل التي ستلعب دورًا مؤكدًا في تغطية المنطقة بالأمطار بل وبالمناخ الأكثر اعتدالاً والأقل خطورة من ذلك الذي يفاجئنا كل عام ويزور بيوتنا ليردمها بالغبار الأحمر الكثيف والعواصف الترابية التي لا تعقبها أمطار بكل تأكيد.
قلناها مرارًا وتكرارًا لا تفوتوا هذه الفرصة يا جماعة الخير سعر برميل النفط يقفز إلى 110 دولارات وهو مرشح للارتفاع أكثر فأكثر مع التوقعات باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية لشهور قادمة بكل تأكيد، قلناها مرارًا وتكرارًا لا يجب أن تمر علينا الطفرة النفطية الراهنة مرور الكرام وكأن شيئًا لم يكن، لا يجب أن تمر علينا دون أن نؤسس صناديق سيادية لإدارة شئون المناخ، ومقاومة الطبيعة المتقلبة، وقلناها لابد وأن نكون على أعلى درجات اليقظة ونحن نتحدث عن تعاظم فكرة توفير إمدادات الأسواق بالسلع الاستهلاكية، فقط مجرد سلع استهلاكية وليست مشروعات لإنتاج هذه السلع محليًا، وليست مصانع تقينا شرور الاعتماد على الغير وما أدراك ما شرور الاعتماد على الغير.
قلناها مرارًا وتكرارًا أنه لا يحك جلدك مثل ظفرك وأمامنا الآن وأكثر من أي وقت مضى فرصة ذهبية بأن نستثمر في المعرفة، بأن نقود المنطقة والعالم، ولم لا؟ أن ندرس ظواهرنا البيئية ونبحث فيها قبل غيرنا، وأن نقوم بعمل تحاليل للتربة، وأن نفحص طبيعتها الجيولوجية، والآثار المدمرة التي تتركها على البيئة، سواء من خلال التلوث الذي تنشره على المحيط الإقليمي، أو عن طريق الغبار الكثير الذي لا تعقبه ولا تسبقه أمطار، الأمر الذي قد “يزيد الطين بلة”، ويجعل من بلادنا الجميلة الجاذبة للناس والاستثمارات والسياح، إلى بلاد أخرى لا نعرفها كونها قد تصبح لا قدر الله بلادًا طاردة للناس والفرص والاستثمارات.
أمامنا فرصة ذهبية بأن ننشئ صندوقًا سياديًا للاستثمار في بحوث البيئة، ولتمويل المراكز البحثية التي تئن من وطأة ضيق اليد وغياب البحوث المرتبطة بقضايا المجتمع ومشكلات الواقع، والظواهر الطبيعية المباغتة.
وأعتقد أن هذا الاقتراح ليس على وطننا الحبيب بكثير، وليس على قادتنا العالمين ببواطن الأمور بغريب، وعلى شعبنا المتفهم لخطورة التغير المناخي ببعيد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية