+A
A-

غابة كرزكان… شارع السعادة وبرواية أخرى شارع الحب

هل توجد غابات في البحرين؟ ربما، فهذه المنطقة تدعى غابة كرزكان كما اطلق عليها اهالي البحرين. وباتت من أكثر المناطق السياحية شهرة، حيث يرتادها السواح والمقيمين لممارسة أنشطتهم المختلفة، بعيدا عن ضجيج المدن والتلوث.

لكن خلف هذا الجمال، وكما في قصص الأحلام، يكمن سر حول رجل سافر الى الهند قبل أكثر من عشرين عاما، أحب البلاد وقرر أن يرسم نسخة جميلة لغاباتها في البحرين.

اسمه رضا منديل، وهو الرجل الثمانيني الذي استورد من الهند أكثر من عشرين ألف شجرة زرعها في هذه الأرض، فأرهقه تعب الحياة، لكنه سعيد جدا برؤية الأرض التي كانت قاحلة وزرعها بشتلات صغيرة، وهي تكتسي الآن رداءا أخضرا منحها مظهر الجنة، التي يرتادها الناس لقضاء أوقات ممتعة.

عدسة ”البلاد“ زارت غابة كرزكان، حيث أقام الأهالي بالشراكة مع الفنان عباس الموسوي و المحافظة الشمالية معرضا فنيا حيا بعنوان: ”معا نصنع المستقبل“، للتعرف على هذه الغابة وحكايتها.

نسخة هندية في البحرين

يعيش رضا منديل مع زوجته وابنه سمير، ورأيت مساعدا له على المشي بسبب ثقل خطواته وصعوبة حركته، فهو رجل ثمانيني أفني عمره في ممارسة هوايته المحببة، الزراعة.

ويذكر ابنه سمير بأن أبوه قام بزراعة المنطقة كلها، ويؤكد رضا منديل بأن هذا المكان كان قبل أكثر من عشرين عاما صحراء جرداء، فسألته عن قصته في زراعة الغابة، واجاب: ” كنت أعمل محاسبا في شركة ألبا، وقبلها في بابكو، لكنني في ذات الوقت أحب الزراعة وهي هوايتي المفضلة. وكنت أسافر للهند كلما سنحت لي الفرصة وأقضي أوقاتا طويلة في المزارع والغابات هناك، حتى أحببت الطبيعة لديهم ورغبت في عمل نسخة مشابهة لما رأيته هناك من جمال“.

واستدرك قائلا:“ أحب الهند كثيرا، وأفرح الآن حين أرى الناس سعداء بالطبيعة هنا، وأدعوهم لزيارة المكان والاسترخاء تحت ظلال الأشجار“.

20 ألف شجرة على مدار 20 عاما

منزل صاخب بزقزقات الطيور وحفيف أوراق الشجر، يضم ثلاثة أفراد، أحدهم سمير، ابن رضا منديل، التقيته وكان هادئا جدا، بفخر قال لي :“ زرع أبي هذا المكان، كان يدرس في الهند في منطقة جبلية، تأثر بها كثيرا، وكان له صديق يملك مزرعة بها محميات أشجار، وحين نذهب للهند كل عام في الإجازة يعود بأكثر من 300 شتلة في كل مرة ليزرعها في بيتنا وفي شارع كرزكان وبجانب شركة ألبا، وعلى مدار عشرين سنة، استورد مايزيد عن 20 ألف شجرة من الهند وزرعها في البحرين بيديه. لم يكن يزرع الشجر فقط بل يحرص على استمرار نموها، فقام بعمل توصيلات للمياه من منزلنا للشارع للحفاظ على ترويتها“.

نتمنى الدعم لتحويل البحرين كلها لغابة مثل كرزكان

وتحدث سمير عن ذكرياته مع أبيه: :“ لوالدي علاقة خاصة بالهند، لقد ولد هناك، جدي رحمه الله كانت له زوجتان احداهما هندية، لدي أعمام هنود أيضا. لأن جدي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ مع الهند، ووالدي يرافقه في رحلاته التجارية كل عام“.

وأضاف :“كنت أذهب مع أبي للغابات في الهند والمناطق الجبلية، أحيانا نظل هناك لأيام تظللنا السماء وتحيطنا أصوات الأشجار والعصافير، لذا نحن سعيدون جدا باستنساخ هذه الصورة الجميلة للبحرين، واذا توفر الدعم اللازم لدينا، بإمكاننا استنساخ التجربة للبحرين كلها، ولاوجود للمستحيل، تخيل لو أصبحت البحرين كلها مثل هذا الشارع؟ سيتغير المناخ والرطوبة ستقل“.

وأكد سمير بأن طموحه أن لا تكون هذه المنطقة الوحيدة الخضراء في البحرين، بل أن يعم الأخضر شوارع بلادنا كلها.

شارع الفن والسلام أيضا

تقع غابة كرزكان على الساحل الغربي لمملكة البحرين، ويقصدها السواح والمقيمين لممارسة الأنشطة المختلفة، مثل ركوب الخيل والدراجات والتصوير، وقد شهدت الغابة إقامة معرض فني حي بعنوان ”معا نصنع المستقبل“، من تنظيم الفنان عباس الموسوي ورعاية المحافظة الشمالية.

التقيت عباس حيث كان يلقي النكت والقصص الطريفة برفقة أصدقائه الفنانين كعادته، وسألته عن سبب اختيار هذا المكان لإقامة المعرض، فأجاب:“ وجدت هذا الشارع صدفة قبل عام ونصف حين كنت في جولة للدراجات مع أصدقائي، وذهلت بهذا الجمال، وشعرت بحاجة لإضفاء الحياة والروح له، ولا سبيل أفضل من تجسيد الفن على أرض لمنحها الحياة".

وأضاف:“ اخترت فترة العيد الوطني وأيام الشتاء لاستضافة مجموعة من الفنانين في هذا المكان، بمختلف الاتجاهات الفنية، للاتحاد في هذا الجو الجميل، وبفضل من الله أسسنا ملتقى فني جديد هنا ومنحنا أكسجينا مختلف“.

وقال الموسوي بابتسامة: ” انقسم الناس في تسمية هذا المكان، بعضهم قال بأنه شارع السعادة، وآخرون شارع الحب، ونحن أتينا هنا لنقول بأنه شارع الفن والسلام“.

غابة كرزكان تذكرني ببلدي تونس

التقيت بالفنان عبدالرزاق حمودة على هامش المعرض في الغابة، وأفاد بأنه خطاط تشكيلي تونسي الأصل، مقيم في سويسرا، وقد أبهر بجمال غابة كرزكان وقال: ” أنا هنا لمساندة مشروع صديقي العزيز عباس الموسوي، عباس يعيش في كوكب لوحده ونحن في كوكب آخر، وأنا سعيد لأنه داعني لكوكبه اليوم. كنت أزور البحرين باستمرار لمدة عشرين عام، لكنني أتعرف على هذه المنطقة الجميلة لأول مرة اليوم“.

وأضاف: ” هنا أتذكر مدينتي وبلدي تونس، وأشعر بأنني لم أخرج من بلدي، أغمضت عيني وفتحتها، ووجدت نفسي بين نخيل وأشجار و واحات و مجتمع طيب، وفي هذا الجو الجميل أقول البحر بحري والبحور اثنين، واحد لحبي و واحد لنور العين“.

مطالبات الأهالي بصيانة الطرق المجاورة

التقيت بأحد سكان المنطقة، حبيب فتيل، وهو أحد المنظمين للمعرض، و أكد حبيب بأن المنطقة جميلة جدا لكنها بحاجة لبعض التنظيم. وقال:“ سكنت ساحل كرزكان قبل ثلاثة أعوام، وذهلت بجمال ممر السعادة الذي يفيض طاقة إيجابية، وبالتعاون مع الأهالي قدمنا مجموعة من الخطابات نطالب فيها بصيانة الطرق هنا حتى يتسنى للزوار الاستمتاع بالمكان، وأتمنى من الجميع الحفاظ على هذه الغابة الجميلة، وحمايتها من التلوث وسوء الاستخدام“.