لا يحيا المرءُ وحيداً، ولا يستطيعُ الاستمرار دون مؤنسٍ يشاطره حياته ويكتب معه ذكرياته، كلُ فردٍ منا يحتاج إلى خليل وصاحب يلجأ إليه، ويشاطره أفكاره، ويُعينه على اتخاذ قراراته، على أنَّ الأخلَّاءَ ليسوا سواء؛ فالصديق الخيِّر من يؤثر فينا إيجاباً، والصديقُ السيئ يعدينا بسوئه.
إن لمْ يتصف الصديق بالصدق كان خائناً غادراً جالباً البؤس والشقاء لصاحبه. الصديق الجيد هو من يُهدي إليك عيوبك ويصارحكَ بما يراه خللاً في سلوكك وتصرفاتك، كما أنه يُعدُّ بئراً لأسرارك وكاتماً لها، تلجأُ إليه وقت الشدة والعُسرة، فتسِرَ له بألمك وتُشاطره أحزانك ليُسرِّي عنك، ويقدم لك النصح والمشورة، ويرفع عنك ثِقلَ الأيام وتصاريف الدهر. إنَّ وجود الأصدقاء في حياتنا يدفعنا للمزيد من الإنجاز والنجاح، لرغبتنا بأن نشعرهم بالفخر بنا؛ لأنهم عادةً ما يدعموننا بالأفكار ويحفزوننا على الإبداع والابتكار، ليس هذا وحسب، بل إن الصديق الملتزم بدينه يدفع صاحبه للالتزام بتعاليم الدين والشريعة لقوة العلاقة بينهما، ومن هنا نجد أن الصداقة المبنية على أسسٍ قويمة، هي ما تعزز العلاقات بين الأفراد؛ فيشدُّوا أزرَ بعضهم بعضاً، ليُشيّدوا مجتمعاً قوياً متماسكاً لا يهتزُ أمام التحديات والأزمات.
من ناحيةٍ أخرى، نجدُ أن الصداقةَ القائمة على الحاجة والمصلحة، تلك التي يلجأُ لها البعض ليقضوا مصالحهم ويستفيدوا من علاقاتهم، هي علاقةٌ غير سوية ولا تمتُّ للصداقة بصلة.. الصديق السيء لا يجلبُ لصاحبه سوى الويلات والبلايا؛ فحين يكون الصديق بعيداً عن جادةِ الصواب، فهو يجر صاحبه للانحراف والرذيلة؛ لغياب الوازع الديني لديه، وقد يسرق أو يزني أو يتعاطى ليسحب صاحبه إلى المصير ذاته. صاحب السوء لا ينصحُ حين يُخطئ صاحبه ولا يردَّه عن السوء والمنكر، وقد يشجعه على الفواحش، في حين يتوجب عليه أنْ يدله على الطريق القويم. هذا النوع من الأخلَّاء لا ينشرونَ سوى الفساد والفوضى والجريمة في المجتمع، ليصيرَ مجتمعاً هشاً وغير آمن، تعصفه المحن وتطحنه رحى المشاكلِ والنوائب.
إنَّ اختيار الصديق الجيد الذي يملك التأثير المحمود على حياتنا وسلوكاتنا، لهو الضامنُ لحياةٍ سعيدة وهانئة تقوم على المحبة والمشاركة والتعاون والتعاضد؛ فتستقيمَ الحياة وتنهض المجتمعات وتتقدم. أما اختيار الصديق الرديء فلا يعِدُ سوى بالبؤس والشقاء والوقوعِ في دوامة الشرور التي تنعكس على المجتمعات بالهُزال والضعف والخراب. أخيراً نقول ما قاله رسول الله (ص): “المرءُ على دينِ خليله، فلينظر الإنسانُ من يُخالل”.