+A
A-

"فيديريكو فيلليني.. جنون السينما" للناقد أمير العمري

ليس غريبا أن تكون الأفلام التي قدمها عبقري السينما الإيطالية "فيديريكو فيلليني" قد تركت آثارها العميقة في الفكر السينمائي، وكانت نقطة تحول تاريخية في مسار السينما العالمية، وبين يدينا كتاب زاخر بالحركة واللون والقطع للناقد السينمائي المصري المعروف أمير العمري بعنوان "فيديريكو فيلليني.. جنون السينما" والصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ويقع في 341 صفحة من القطع المتوسط، ويعتبر الأول من نوعه في المكتبة العربية عن مسيرة فيلليني وأعماله، وهو الذي احتفل في العام 2020 بمرور مئة عام على مولده، ويتضمن تحليلا تفصيليا شاملا لكل ما أخرجه من أفلام روائية طويلة وقصيرة وتسجيلية عبر أربعين عاما، ويناقش العمري أفلام فيلليني منذ علاقته الأولى بحركة الواقعية الجديدة والجدل الذي أثير حول خيانته لتلك الحركة، واتجاهه نحو "سينما التعبير الذاتي" مبتعدا عن فكرة تصوير الإنسان في سياق الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، مفضلا التركيز على الشخصيات الفردية وعلاقة الفرد بالعالم في عذابه وبحثه عن الخلاص.
ويحلل المؤلف في كتابه القيم هذا، سينما فيلليني من خلال الأعمدة السبعة التي كان يستند إليها في كل أفلامه وهي: الأحلام، الكاريكاتير، التحليل النفسي، السيرك، المدينة، الفاشية والعلاقة مع المرأة".
الفصل الأول من الكتاب يسلط الأضواء على حياة وتكوين فيلليني، وعلاقته الوثيقة بعالم الرسم والكاريكاتير، وأهم المحطات التي قطعها في مسيرته الفنية، والمراحل المختلفة التي صنعت منه أحد أساطير السينما في العالم.
وفي الفصل الثاني، تناول المؤلف ثلاثيته الأولى، بما فيها مشاركته مع مخرج آخر في إخراج أول أفلامه وهو "أضواء المنوعات" 1950 الذي اعتبره فيلليني "نصف فیلم". ومن هنا جاء الاسم الذي أطلقه على فيلمه الشهير " 8 ونصف" الذي يعد أحد أهم أفلام سينما الحداثة الأوروبية وأحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما، فعندما أقبل على إخراجه، لم يجد له اسما، ففضل أن يمنحه عدد الأفلام التي كان قد أخرجها حتى ذلك الحين 1963 بما فيها "نصف الفيلم" أو فيلمه المشترك مع المخرج ألبرتو لاتوادا.
وفي الفصل الثالث، تناول العمري ما اعتبره ثلاثية ثانية تختلف نوعيا عن ثلاثيته الأولى، كما سيلاحظ القارئ، وبعد ذلك أصبح كل فصل من فصول الكتاب يحمل اسم فیلم من أفلام فيلليني التالية، ويشمل تحليل هذا الفيلم وحده، باستثناء الفصل السابع الذي خصصه لتحليل أفلامه الثلاثة القصيرة التي أخرجها على فترات متباعدة.
يقول أمير العمري عن هذا المخرج العبقري:
كان فيلليني من أكثر السينمائيين الأوروبيين قربا منا نحن أبناء الثقافة العربية، من عشاق السينما والمهتمين بها، فهو بمزاجه المتوسطي، مثلنا، يحب الألوان الصريحة القوية، والصور التي تزخر بالحركة والحيوية والحياة، كما يؤمن بالسحر والروحانيات والوجود اللامرئي للأشياء، ولديه شعور راسخ بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم، ويرى أن لقوانين الصدفة منطقها الخاص، لكن من دون أن ينحو نحو الفوضوية فكرا".
وأضاف "فيلليني أيضا، يرى أن السينما، أي ما نعتبره من الخيال، يمكن أن تكون بديلا للعالم الواقعي، لكنه لا يعتقد أن الفيلم يجب أن يكون امتدادا للواقع، وهو لم يكن ينطلق في عمله من خطة صارمة دقيقة، أو سيناريو تفصیلي دقیق محكم يحدد خطواته، بل كان يميل إلى ترك مساحة ما للارتجال، إلا أنه ليس في الحقيقة ارتجالا فوضويا، بل استلهام فني من الحالة الذهنية والشعورية التي يجد الفنان نفسه يعيشها، مع نفسه ومع المكان الممثلين".
يذكر أن أديبنا القدير أمين صالح له كتاب مترجم بعنوان "حوار مع فيديريكو فيلليني"، وهو عبارة عن حوار مطول أجراه المخرج في بداية الثمانينات مع الناقد الإيطالي جيوفاني جرازيني، ويعد أيضا من الإصدارات القيمة والقليلة عن صاحب المنهج الفلسفي والجمالي في عالم السينما.