العدد 4708
السبت 04 سبتمبر 2021
banner
نجيب محفوظ رقيبا سينمائيا
السبت 04 سبتمبر 2021

من يصدق أن الروائي الكبير نجيب محفوظ الذي تعرضت رائعته “أولاد حارتنا” لمقص الرقابة جراء قراءة مبتسرة متسرعة متأثرة بما أشيع عنها، ومن ضمنهم للأسف أدباء وكتّاب من زملائه ومعارفه بدافع الغيرة منه، والذي انتصر بعدئذ في حياته على تلك الأزمة المختلقة بإجازة الدولة روايته كمسلسل إذاعي في 1968، رغم عدم السماح بطبعها في مصر، ثم انتصر بعد مماته في 2006 بإجازة طبعها في مصر عن دار الشروق بمقدمة للوزير والمفكر الإسلامي الراحل كمال أبوالمجد، نقول من يصدق أن نجيب محفوظ هذا عمل رقيبا سينمائيا كما عمل “سيناريست”، ونجح على نحو خلّاق في إقرار أعمال سينمائية دون أن تثير حفيظة المجتمع أو الجهات الدينية والرسمية التي لها سلطة رقابية؟ اكتشف محفوظ من خلال عمله كسيناريست ورقيب سينمائي أن الحظر قبل توليه هاتين الوظيفتين في الخمسينيات غالباً ما يكون كيدياً غير منزه الهوى، بغرض ابتزاز المخرج أو شركات الإنتاج للحصول على مبلغ لتمرير مشروع فيلم ما، لكنه استطاع بعبقريته الفذة وطيبة قلبه خلال عمله منع هذه الظاهرة، وقال قولته الشهيرة عن الرقابة الإعلامية في مجال السينما: “الرقيب يجب أن يكون صديقا للكاتب لا عدواً له، وأية ملاحظات في السيناريوهات يمكن حلها بالمناقشة والحوار، مع الأخذ في الاعتبار أن الأصل في الفن هو الإباحة، أما المنع فهو مثل الطلاق، أي أبغض الحلال”.

ولعمري فإن هذه القاعدة العقلانية الرائعة لو انتهجها جميع المعنيين بالرقابة الإعلامية بلا استثناء في عالمنا العربي لكان هامش حرية التعبير فيه أوسع بكثير مما هو عليه. لم يستغل محفوظ سلطته الرقابية قط لدوافع كيدية بغرض التربح غير المشروع، أو تحت دافع الغيرة من زميل سيناريست أو كاتب رواية يعتبرهما منافسين له، أو لتمرير ما يكتبه هو من سيناريوهات رغم اختصاصه بذلك، إذ ترك القرار النهائي بشأن أعماله لمدير الرقابة على الأفلام، هذا بالرغم من أن دخله نزل كثيراً حينما عُيّن رقيباً سينمائياً مقارنة بدخله الأعلى كسينارست متفرغ.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .