العدد 4575
السبت 24 أبريل 2021
banner
رمضان... صيام أم شراهة؟!
السبت 24 أبريل 2021

تجولُ وتدورُ بسيارتك جيئة وذهابا، لعلك تحظى بموقفٍ لها أخيراً، وتفشلُ في العثور على رقعةٍ من الأرض لركنِ سيارتك، فتركنها بعيداً جداً في برٍ قريب، وحين تصلُ إلى نقطة النهاية عند بوابة السوق التجاري بعد الماراثون المضني الذي فازَ فيه خلقٌ كثيرٌ معك، تتزاحمون عند المدخل الأوتوماتيكي أيُكمْ يدخلُ أولاً، وأيُكمْ يُمسكُ بعربة التسوق الأولى من الصف، ثم يبدأُ سباقٌ آخر بين أرفف الأطعمة والمأكولات والأواني المنزلية، فهل ستصلُ لحاجاتكَ قبل أنْ يخطفها غيرُك من رفوفها التي أُفرِغَتْ تماما.. كل هذا التسابق على شراءِ ما لذَّ وطابَ من الطعام قبلَ وأثناء شهر رمضان المبارك يدعو المرءَ للظن بأنّا لا نأكلُ إلا خِلاله، وفي الوقت الذي يجب أن يكون رمضان شهراً للصيام والقيام والعبادة، نجدهُ يتحولُ لشهرٍ للشراهةِ والإسراف في المأكل والمشرب لا غير، حتى أن الهدف الحقيقي من الصيام قد انتفى مع كل هذا الهدرِ والإسراف والتهافتِ على الشراء للأطعمة.
هذا المشهدُ المحرجُ حقاً يتكرر كل رمضان ويدومُ طيلةَ الشهر، حتى يصبحَ "السوبر ماركت" بيتَنا الثاني، نتنقلُ بينه وبين بيوتنا طوالَ الثلاثين يوما، هذه الثلاثونَ يوماً التي يجدرُ بها أنْ تكون أياماً للصيام والطاعة وتلبيةً لأمر الله وتجربة للجوع والعطش لاستشعار حاجات الفقراء والمعوزين، أصبحت أياماً مهدرة في مصانع الطعام لتحضير الأطباق الرئيسة والمقبلات والحلويات وشتى أنواع المشروبات حتى تتنشرَ أقدامُ رباتِ البيوت فلا تجدَ وقتاً للعبادة، وليالي القيام وأداء الصلوات والنوافل، نراها انقلبتْ لحشوِ البطون بشتّى أنواعِ الأطعمة والأشربة.
إذا ما نظرنا للأمر من ناحيةٍ صحية، فإن الإسراف والشراهةَ في تناول الطعام وعدم الاعتدال في المأكل والمشرب يُضيّعُ أهدافَ الصيام وأصوله، ويُعرِّضُ الصائمَ وصحته للخطر.

إنَّ المبالغة في تناول الأطعمة المشبعة بالدهون يؤدي إلى الإصابة بالسمنة وتصلب الشرايين وأمراض القلب والأورام المرتبطة بزيادةِ استهلاك الدهون، حتى الأسنان قد تتضرر من كثرة تناول السكريات، ويزيدُ إفراز الأنسولين في الجسم، ما يُشكلُ خطراً على صحة الصائم. ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ التداخلات الغذائية التي تحدث أثناء تناول أنواعٍ مختلفةٍ من الأطعمة، أكانت صحية أو غير صحية، قد تكون ضارةً جداً بالجسم، إذ ينشأُ عنها تراجع لكفاءةِ الجسم في امتصاص المعادن والأملاح المعدنية. إنَّ تصحيحَ مفهومنا للصيام والعادات الغذائية السليمة، يرفعُ من إمكانية تمتُعنا بالصحةِ والحيوية والشباب، ويعملُ على تأخيرِ آثار الشيخوخة التي تُحدثها الشراهةُ للطعام، خصوصاً في شهر رمضان المبارك. الصيامُ يعمل على تجديد كل أجهزة الجسم وأعضائه، ويُخلِّصهُ من الوزن الزائد شريطةَ اِتباعِ القواعد الغذائيةِ السليمة. الصائمُ يخرجُ من الصوم منتصراً على نفسه بكبح جماحِ هواها وشهواتِها ومغرياتِ هذه الدنيا ونزغاتِ الشيطان ومهاويه؛ فليكن شهرُ رمضان شهرُ الخير، لا بالطعام والشراب، بل بالاستزادةِ من الثواب والتقرب لله بما يأمر به والبعد عما ينهى عنه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .