العدد 4442
السبت 12 ديسمبر 2020
banner
العروبة في المهجر
السبت 12 ديسمبر 2020

استكمالاً لحديثي عن هجرة الأدمغة الإعلامية العربية الكفوءة؛ أتحدث هنا عن موضوع آخر على درجة من الأهمية ويتمثل في نموذجين شاهدتهما في مقطعي فيديو: الأول جسده الإعلامي السوري الشاب أحمد فاخوري في برنامجه الناجح “ترندينغ” في البي بي سي من تجربة علاجه بأحد المستشفيات اللندنية حيث مكث فيه أياما، واكتشف أن معظم من تناوبوا على علاجه كانوا عرباً من جنسيات مختلفة ويحرصون على التحدث معه بالعربية؛ وعلى رأسهم الطبيب الاستشاري العراقي مضر عبدالصاحب وهو من كبار الأطباء في لندن والعالم. أما الثاني فجسدته سيدة عربية تعمل مدرسة في أميركا وعليها التحدث في الفصل بلغة إنجليزية شديدة الإتقان لا يُفهم منها لكنتها العربية، وهذا ما حدث معها؛ فذات مرة اختلست السمع لدردشة بالعربية داخل الفصل تدور بين طلبتها العرب المنحدرين من بلدان عربية شتى من بينها خليجية، ويعبرون فيها عن توقهم الشديد لأكلات عربية فتأثرت بشدة من كلامهم، وقررت إحضار مفاجأة لهم بكل أنواع الأكلات العربية؛ وكانت الصدمة عندما جاءوا لغرفة دعتهم إليها في فترة الاستراحة بحجة مناقشتهم في أمر دراسي ما؛ ورأوا المأدبة العربية فشهقوا جميعهم بصوت واحد ذهولاً: أأنت عربية؟ وهنا وهي تنهي حديثها انهمرت دموعها تحت تأثير الإحساس الوجداني العروبي الذي اجتاحها بغتة.


ولنقارن الحالتين باغتراب العروبة في أوطانها على أيدي فئة غير قليلة من العرب التي تتباهى بالرطن إما بالإنجليزية أو الفرنسية داخل أوطانها للتدليل على تحضرها وكفاءتها المهنية سواء استدعى الأمر ذلك أم لم يستدع البتة، وهذه الحالة لا تعبر عن انفصام نفسي واستلاب حضاري فقط؛ بل عن غربة العروبة داخل أوطانها، ولا شك أن دوائر صنع القرار بالدول العربية والحركات السياسية كافة، ومن ضمنها القومية التي نفرت أنظمتها وممارساتها شعوبها والعرب من العروبة، تتحمل بدرجات متفاوتة مسؤولية تفشي تلك الظاهرة الخطيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية