العدد 4416
الإثنين 16 نوفمبر 2020
banner
رَجُل دولة... بحجم أمة
الإثنين 16 نوفمبر 2020

عمَّ الحزن في البحرين ونكست أعلامها برحيل القائد والإنسان صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، لقد كان سموه رحمه الله يتمتع بشخصية وطنية وقومية جعلته رجل دولة ورئيسًا لمجلس الوزراء وقبلها كان رئيسًا لمجلس الدولة بعد أن تحمل عبء الكثير من المسؤوليات الإدارية والمالية والسياسية في عهد والده، فقد جمع رحمه الله بين صفتي القائد والإنسان، فصفة القائد كونه تحمل عبء المسؤولية الوطنية لبلاده في جميع المواقع الإدارية والمالية وصولًا إلى رئاسته مجلس الوزراء، حيث تحققت للبحرين فيها الكثير من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بفضل إدارته المتميزة للملفات ومتابعته الدائمة للمشاريع وتوجيهاته الدائمة للوزراء والمسؤولين عنها وحثه لهم على الاستمرار بالعمل والعطاء بدون حدود للبحرين وشعبها.

وكان رحمه الله إنسانًا بما تحمله الكلمة من المعاني والصفات، وهي فطرة بشرية أوجدها الله فيه تجسدت في حُبه للناس وحُب الناس له، وما جعله أهلًا لهذا الوصف ما قدمه من خدمات نافعة للناس جميعًا، وبما اتصف به من المودة التي رسخها في تعامله ولقاءاته مع كل المواطنين، وإن أفضل الناس لديه هو مَن يعمل لأجل الناس جميعًا وهي القاعدة الرئيسية للعمل الإنساني، فالخدمات والأعمال النافعة التي قدمها سموه للبحرين وشعبها كثيرة، وبكوْن هذا العطاء إنسانيًا فهو أيضًا تتجلى فيه صفات القائد الذي تفيض خدماته على جميع الناس.

كان يؤمن رحمه الله بسياسة الباب المفتوح، وكان لا يترك بابه مغلقًا أمام أحد، ودائمًا يوجه الوزراء والمسؤولين بالاهتمام بالمواطنين وجعل أبواب مكاتبهم مفتوحة، فكما يقول في أحد اللقاءات التي تشرفت بحضورها “جميعنا موجودون لخدمة المواطنين، وإذا أغلقنا أبوابنا أمامهم فلا يمكننا أن نسمعهم”، وهو توجيه كريم يؤكد على بناء الثقة بين المواطنين والمسؤولين وجعل الثقة متبادلة ومستدامة بينهم. وأضاف سموه “إن الاستماع إلى المواطنين يُحقق التقارب والتشارك في الآراء بين المسؤولين والمواطنين”.

كثيرة هي الصفات الإنسانية والقيادية التي تحلى بها رحمه الله، باعتبارها صفات شخصية وجدانية تحلى بها سموه وبرزت في مجمل علاقته مع الآخرين، أفرادًا ومؤسسات ودولا، مواطنين ومسؤولين، رجالاً ونساء، والتي شكلت هوية سموه الحضارية والثقافية والإنسانية والوطنية وجعلت منه راعيًا وأمينًا على مصالح الناس جميعًا، حيث عمل على توفير متطلبات العيش الرغيد لهم متحسسًا مشكلاتهم وعاملًا على حلها، وهاهي البحرين تودع قائدًا عظيمًا عمل لوطنه وشعبه.

وقليلٌ هُم الرجال الذين يُخلدهم التاريخ، الذين صنعوا أمجاد أممهم وبذلوا الكثير لعزةِ أوطانهم، أولئك الرجال لم تنل منهم التحديات ولم تنكسهم الأزمات، بل زادتهم إصرارًا على تحقيق أهدافهم، فقد بذل سموه كُل ما لديه من الجُهد الفكري والبدني في سبيل الحفاظ على سيادة البحرين العربية وإقامة العديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي انتشرت في البلاد وأفادت العباد، ولعب سمو الأمير خليفة بن سلمان دورًا تاريخيًا في تحقيق استقلال الوطن ونهضته ورفعته.

كان رحمه الله قائدا عظيما ورجل دولة حكيما، ودرعا صلبة من دروع الوطن، وأبهرت إسهاماته البعيد قبل القريب، فأعطى لبلاده أغلى ما لديه فارتفع عاليًا كالطود الشامخ الذي لا تزيده الأيام إلا ثباتًا ورسوخًا، فتميزت قيادته بالحكمة والرأي السديد، مستنيرًا بعقلية المناضل الجسور، وجرأة السياسي الوطني الغيور. كان بشخصية تشبع من تجارب الحياة التي خاضها بكل قوة وشجاعة، نال بإنجازاته ومساهماته العديد من الجوائز التقديرية، جوائز بحرينية وخليجية وعربية وإقليمية ودولية، جوائز نالها تقديرًا لقامته الرفيعة ووفاءً لإنجازاته ومواقفه التي لن ينساها أحد، وهو تقدير غال تضعه البحرين وسام شرف على صدرها.

الراحل الكبير رجُل من الزمن الأصيل المُفعم بالقيم والمُرسخ بالمبادئ والثوابت، زمن خاض بحرهُ بشجاعته ليكون الدرة الثمينة لهذا الوطن.. ابنًا وجنديًا ومدافعًا عنه وحاميًا له. رحل والمداد يَعجز عن تدوين كل مواقفه النبيلة تجاه البحرين وشعبها، مواقف كثيرة وعديدة، لأن الحديث عنه رحمه الله وعن مآثره يعني الحديث عن البحرين ومنجزاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها، هذه المنجزات ستظل سيمفونية تترنم بها الأجيال.

إن التاريخ خيرَ منصف لمن حمل هم الوطن وتطلعات أبنائه، فكان مثالًا للإخلاص لبلاده، وسيبقى في الذاكرة الوطنية البحرينية بفضل أعماله وقربه من شعبه ودعمه المتواصل لجميع الأنشطة والفعاليات دون استثناء. عمل من أجل البحرين كثيرًا، وكان حريصًا على نجاح تجربة مجلس التعاون لأقطار الخليج العربي وداعمًا لجهود جامعة الدول العربية وقرارات منظمة الأمم المتحدة في العدل والسلام والتنمية، وبذلك استحق سموه جائزة الشرف للإنجاز المُتميز من منظمة الأمم المتحدة تقديرًا لجهوده الوطنية والخليجية والعربية والدولية في دعم التنمية المستدامة.

رحمك الله وأسكنك العلي القدير فسيح جناته وألهم البحرين وقيادتها وشعبها الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .