العدد 4343
الجمعة 04 سبتمبر 2020
banner
الحياة فيها صلاة الفجيعة وأغاني الأفراح والأعراس
الجمعة 04 سبتمبر 2020

يروى أن شابا أحب العلم وآثره على كل شيء في الحياة، وعلى هذا الأساس أخذ يتلقی العلم في بلد ما حتى لم يتبق فيها أي شيء يضيفه إلى علمه، فأخذ يسأل أين يجد أعظم عالم حكيم لكي يرحل إليه ويتتلمذ على يديه، وعرف أخيرا أن هذا العالم الحكيم العظيم يقيم في ركن بعيد من أركان العالم، فأعد العدة للرحيل إليه، وخلال رحلته الطويلة الشاقة تعرض لأخطار كثيرة كادت تحول بينه وبين غايته، لكنه بفضل العزيمة الصادقة والإرادة القومية تغلب عليها ووصل إلى الأستاذ الحكيم الذي دلوه عليه، حيث روى له قصته، فسأله الحكيم: ماذا تعلمت أيها الشاب من رحلتك الطويلة عبر العالم وحتى وصولك إلى هنا؟ فقال الشاب: تعلمت أن الحياة أعظم معلم للإنسان، فقد عانيت في رحلتي إليك وكدت لا أصل. فابتسم الحكيم وقال له: إذا.. فقد تلقيت أعظم درس في الحياة، وليس عندي أعظم من هذا الدرس لكي أعطيك إياه.

إذا تجارب الحياة تحررنا من أصفاد الحزن مهما كان مؤلما، فالحياة فيها من ألوان الزخرفة وباقات الزهور والصور، والظلمات والضياء وفارس الحب والحزن، وذكريات الأحبة وبوابات المساء، ومرافئ الحلم وشموس الأمل، ومذاق الغربة، والضحكة الدافئة، والساخرة، والوجوه الكاحلة البكماء التي تطاردنا بأعينها المفقوءة كعيون بومة مات فيها البريق، وفيها الكلمات الحنونة المخادعة التي لا تعني شيئا سوى لحظة وصال، وفيها أيضا صلاة الفجيعة وأغاني الأفراح والأعراس.

حياتنا تنزع جلدها مثلما تنزع الأفعى جلدها، فكل يوم تغطي سماء الإنسان أجنحة من التجارب وطريق طويل من الدروس والعبر، ومن يريد أن يغني أغنية الابتهال عليه الاستفادة من التجارب الموعودة بالبكاء والفرح، وأن يكون قويا كعيون الضياء، ومن لا يستفيد يكون بين الأحياء والأموات وغير مستوعب أصلا لسير الزمن، وسيطول سفره من غير قدوم أو رجعة.

 

يقول الشاعر أبولونير:

“الغريق في الحياة هو من لا يستفيد من التجارب”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية