العدد 4295
السبت 18 يوليو 2020
banner
أوغلو والعمى الاستراتيجي (1)
السبت 18 يوليو 2020

أتابع طيلة الفترة الماضية بعض مقالات كتاب الرأي ووسائل الإعلام العربية والمحللين الذين يرون أن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمثل خروجاً عن نهج حزب العدالة والتنمية التركي، معتبرين أن “السلطات الديكتاتورية” التي منحها الرئيس التركي لنفسه في التعديل الدستوري هي السبب في انحراف سياسات الحزب عن مسارها ونهج مؤسسي الحزب مثل أحمد داود أوغلو مهندس سياسة “صفر مشكلات”.

ولأنني أثق أن الخلاف بين أردوغان ورفاقه وحلفائه القدامى هو خلاف حول التكتيك وليس الاستراتيجية على مسائل ثانوية وليست أساسية، فقد كنت أستغرب تهليل وسائل الإعلام في منطقتنا العربية والخليجية لظهور أوغلو مجدداً على الساحة السياسية التركية كمنافس محتمل في وجه حليفه وصديقه السابق أردوغان.

وبالأمس، قرأت تصريحاً لأحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق ورئيس حزب “المستقبل” المعارض، يقول فيه “إن تهديدات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعكس “عمى استراتيجياً”، وفي كلمة مصورة، نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هاجم داود أوغلو ما زعم أنه “تهديد السيسي للإدارة الليبية بالاحتلال العسكري”، كما هاجم بشدة ما قال إنه “تهديد ماكرون بزج الناتو والاتحاد الأوروبي في مواجهة تركيا”.

وقال أوغلو إن تلك التصريحات “ليست مؤسفة فحسب، بل تبدي للعيان العمى الاستراتيجي الذي يعانيه اللاعبان”، واللافت أن أوغلو الذي يهلل له بعض العرب لمجرد كونه بات منافساً لأردوغان، وباعتباره صاحب النظرية البائدة التي انقلب عليها السلطان، قد أثنى على سياسات تركيا في الملف الليبي! قائلا “الدعم الذي تقدمه تركيا إلى حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها في الأمم المتحدة هو شرعي وسليم”، وقال أوغلو “لا يمكن إنشاء نظام في شرق المتوسط بتجاهل تركيا”، مشددا على أن أية معادلة للأمن والطاقة في المنطقة، تستثني بلاده، لا يمكن أن تستمر، من الناحية الاستراتيجية. وطالب أوغلو فرنسا والاتحاد الأوروبي بالإجابة على ما إذا كان تواجد بلاده، العضو بالناتو، في ليبيا، يشكل تهديدًا على أمن الناتو والاتحاد الأوروبي، أم تواجد روسيا والإمارات ودول أخرى.

لا تحتاج هذه الكلمات إلى تحليل سياسي مستفيض كي ندرك منها أن الحليفين السابقين ينطلقان من رؤية استراتيجية واحدة، بل من عمى استراتيجي واحد، ولديهما آيديولوجية مشتركة تؤمن باستعادة الإرث الاستعماري التركي، وأن من انقلب على نظرية “صفر مشاكل” هو صاحبها ذاته قبل أن ينقلب عليها حليفه السابق! فلم يعد أوغلو يؤمن بفكرة تصفير المشاكل كسبيل لتحقيق أحلام الشعب التركي في التطور والتقدم والبناء، بل بات ينتهج سياسة تدخلية توسعية تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة كي تضمن بلاده مصالحها، فهو لا يرى في تدخل تركيا في ليبيا أي انتهاك لسيادة هذا البلد العربي، بل ينظر فقط إلى الوجود العربي في بلد عربي دفاعاً عن أرض عربية وشعب عربي خطراً على حلف الأطلسي!. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .