العدد 4274
السبت 27 يونيو 2020
banner
الصراع على التاريخ
السبت 27 يونيو 2020

لعل الظاهرة الأكثر حرجاً للإدارة الأميركية والدول الغربية في الاحتجاجات التي اندلعت إثر مقتل المواطن ذي الأصل الأفريقي جورج فلويد تحت ركبة شرطي أبيض تتمثل في تحطيم تماثيل الرموز التاريخية في الولايات المتحدة وتلك الدول على السواء؛ وهي ظاهرة أحسبها نادرة الحدوث في التاريخ الحديث؛ لما تحمله من دلالات ضمنية شتى، ثقافياً وحضارياً وآيديولوجياً، حيث تُفجّر بموازاتها صراعاً سياسياً فكرياً على من يمتلك حق تدوين وقراءة أحداث التاريخ المهمة بأدنى قدر ممكن من الموضوعية.

فعلى عكس المخربين كان واضحاً أن محطمي التماثيل ليسوا رعاعاً ولم يحطموها اعتباطاً؛ بل كانوا مطلعين جيداً على تاريخ بلدانهم، فإذا كان من السهل إدانة الأعمال التخريبية باعتبارها غير مبررة وغير مشروعة، فإن تحطيم التماثيل التاريخية التي كانت بمثابة أصنام مقدسة لدى النخب الحاكمة الغربية ونخب شعبية وعوام الناس المتأثرين بالثقافة السائدة، خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ثلاثة تماثيل مهمة ارتبطت بالعبودية أو الاسترقاق الاستعماري: الأول تمثال ألبرت بايك، وهو التمثال الوحيد في واشنطن العاصمة، وقد تم حرقه لاتهام صاحبه بأنه من مؤسسي “كلوكس كلان” العنصرية، والثاني تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون في مدينة بريستول البريطانية، والثالث للرئيس الفرنسي الكاريزما شارل ديجول في مدينة “الأنوار” باريس، حيث تم تشويهه بالطلاء بتهمة كونه تاجر رقيق، ولمسؤوليته أيضاً عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في عهده بالبلدان التي استعمرتها بلاده، لاسيما الجزائر.

ولاريب ان الصراع سيستمر طويلاً ما لم تتم إعادة الاعتبار لحقائق التاريخ بمنهج علمي رصين يتوخى أدنى قدر ممكن من الموضوعية يتولاها أساتذة تاريخ محايدون ضمن أعضاء لجنة مُشكلة للإنصاف والحقيقة والعدالة بغية إنهاء الأزمة العنصرية المديدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .