اصطدم بالزوايا الحادة، وأنا أتلمس في قطع الظلام دمعة تبكي بحرقة، تبحث عن منديل ممزق يحول دون خروج آخر ضوء من ثقب الجدار. (سنظل نحفر في الجدار، إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار).
أعلم أن مراقبة الألم من وراء الزجاج أو ورق الكتابة أشبه بمشاهدة طفل يتعذب من شظية غادرة وغائرة في حرب، قد استقرت في جسده لتكون شهادة كونية على براءة ترتعش، وتذكار عن سقوط حضاري مروع، فلا أنت أنقذت الطفل، ولا أنت حولت حروفك إلى تابوت.
ضعاف نحن أمام الحب، فسطوة الحب وسوط الشوق، وغضب الحنين لا تقاوم (فكلما التجأنا إلى ركن رأيناه خانقا كالظلام أو واهيا كالورق).
واسمحوا لي، أنا ضعيف أمام الحب متمرد على الكره. لا تثير شهيتي الشكوك فيما أكتب، فتاريخي مليء بالمحارق، وأعواد الكبريت، واعتدت الصراخ في برية السياسة، فلم يسمعني أحد. وها أنذا أصرخ في سكان (العمارة الوقفية) محذرا ساكنيها من طوفان العدالة وغضب إعصار المحاسبة. فالدولة لن تسكت. أقول للجميع: أنا واضح.
حذرت من مقاطعة انتخابات 2002، فاتُهمت بتمييع القضية والدستور. وانتقدت استقالات 2011 وقلبي على الناس والوطن. وحذرت من مقاطعة انتخابات 2014 و2018 خوف دفع الفواتير، فقيل هذا ضد الناس. وانتقدت وكيل وزارة التربية، فاتُهمت بالشخصنة. انتقدت وزير العمل بعدة مقالات فاتُهمت بالإثارة والتصيد. وانتقدت إيران، فقيل هذا متعسف، وانتقدت الإخوان المسلمين، فقيل هذا انتقائي. وانتقدت وزير المالية السابق بعشرة مقالات، فقيل هذا يريد إضعاف الاقتصاد. ورفعت راية الدفاع عن المال الوقفي المقدس الأوقاف في 2004، فقيل هذا سيكبد الأوقاف خسائر. وصرخت صرخة ضد كارثية قانون التقاعد الجديد في 2018 يوم كنت عضوا في مجلس الشورى، وصوَّتُّ ضد القانون وانتقدتُ موقف الرئيس حينها، ودافعت عن حقوق الناس، وربحنا الموقف لآلاف من البحرينيين المتقاعدين، فقيل يوم وقفت ضد القانون هذا يريد إضعاف مجلس الشورى. أختصر عليكم، أنا ضد التصنيف ولا أؤمن بهندسية الأشخاص. أنا مع وجع الناس إلى آخر يوم في حياتي. وعنيد في حب الناس والوطن وجلالة الملك، وقناعتي أن تقوية هذا المثلث سيقوي الوطن. وإذا أردت أن تدافع عن الحقوق يجب أن تكون أسلحتك: العقل والتوازن والحكمة والموضوعية. أنا شخص وسطي، عندي خطاب واحد، إذا آمنت بشيء أدافع عنه بشراسة (godzilla). لا أهتم بالأشخاص، وإنما أنتقد الأفعال. ولم أتورط يوما ما طيلة مسيرتي بعداء شخصي لأحد رغم أن جسمي مليء بطعنات الخناجر، لكن لم يخرج منه إلا الأجنحة.
أنا “شفاف كدمعة وكقطعة كرستال” فيما أؤمن به، وما لا أؤمن به، وأردد قول الفيلسوف مونتسكيو “أنا أكره الكراهية، وأحب الحب” هذه سياستي، أنثر الورد على أي إنجاز حكومي وأصفق لأي وزارة، وأنتقد بحدة شفرة حلاقة أي فساد أو مكابرة وزير.
سأسعى إلى تلقف أوجاع الناس بسلة على شكل قلب وبداخلها دمع يغتسل بدمع وجرح ينام على ذراع جريح. وسطي أنا في معالجة كل أسئلتي الوجودية، ومن سلالة النوارس في مطاردة الأفق وكراهية إقامة علاقة مع الموانئ وأردد “أنا أقترب من الساحل، وأدرك كم أكره الوصول إلى خط النهاية”.
أقول: لا بركة ولا توفيق في السطو على أي مال مقدس. يقول مكافيللي: “إذا أردت أن تختبر شخصا، أعطه مالا أو سلطة أو امراة جميلة”.
لا فرق بين من سرق خاتم الحسين بالأمس، ومن يسرق وقف الحسين اليوم. كلاهما يسرق الحسين “ع”. يوجد مصطلح في علم النفس يسمى بـ “التماهي الإسقاطي” ينطبق على إدارة الأوقاف والتراجيديا الكربلائية. فما الفرق بيننا إذن وبين (سليم الكلبي)، فلمّا لم يجد شيئا يسلبه في كربلاء راح يحزُّ إصبعَ الحسينِ عليه السلام إلى أن فَصَلَ الإصبعَ وأخذَ الخاتَم. هنا، أدعو كل البحرينيين عدم وقف أي مال أو عقار ويوفروه لتعليم أبنائهم في الجامعات وللحياة إلى أن يتم تصحيح الأوقاف، ويمسك بها إدارة توكنوقراط، وحوش في الاستثمار، ويتم تنضيف كل الملفات من غبار الفساد وعودة المال، ومحاسبة الأسماك الكبيرة، ورصد كل المتجاوزين وقيادتهم للمحكمة.
وهنا رد على بيان رئيس الأوقاف السابق، حيث يحق لي الرد عبر جريدتنا “البلاد” العزيزة، أقدم له هذه الأسئلة:١- لماذا أعفى رئيس الأوقاف منفردا برأيه مستأجرا من الإيجارات المستحقة عليه وقدرها 46 ألف دينار، كما أعفى مستأجرا آخر عن سداد إيجارات بمبلغ 11 ألف دينار، أي بما مجموعه 57 ألف دينار؟ موثق. ٢- ويقول تقرير ديوان الرقابة “إن الرئيس قام منفردا باتخاذ قرارات تأجير بعض العقارات دون الرجوع للمجلس لدراستها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، وبمبالغ تقل عن توصيات لجنة الكشف والإيجارات المنبثقة عن المجلس، أو قسم الاستثمار أو وحدة الأصول بالإدارة، مما أدى إلى خسارة الجهات الواقفة لجزء من عوائد تلك العقارات”.
وأورد الديوان في تقريره جدولا بعدد من العقارات التي اتخذ الرئيس قرارا منفردا بتأجيرها، وبمبالغ أقل مما أوصت به اللجان المذكورة، ويصل مجموع الفروق بين المبالغ الموصى بها والمبالغ المقررة من قبل الرئيس، إلى مليون دينار.
نعم مليون دينار؟ والمثل الإنجليزي يقول: الشيطان يكمن في التفاصيل.
ختاما.. أرد على رسائل الناس: باقة ورد وصلتني من بعض أهالي سترة الأعزاء، فأقول لهم: أنا منذ كان عمري 18 عاما وأنا ستراوي الهوى. فإذا تلمستُ المياه الجوفية لقلوب أهل سترة ستنفجر طيبة وكرما. عيونهم تثمر سنابل، وابتسامتهم شاطئ كاريبي ينتظر الاصطياف. يطربني ممشى ساحل سترة الجميل، أذهب إليه ليلا هاربا من اختناق المدنية، وأجلس قبال البحر وسترة مستلقية على ذراعي كحبيبة على شاطئ إيطالي مرددا شعر نزار قباني: ما تبت عن عشقي ولا استغفرته
ما أسخف العشاق لو هم تابوا. سوف أتحدث عن مدينة شرق سترة الإسكانية، والمؤمل منه تخطيط وسعة للوحدات، وضرورة وجود ساحل عام كبير لأهاليها الطيبين.
________________________________________
أرجو من القراء متابعتي على “الإيميل” الجديد أعلى المقال.