العدد 4208
الأربعاء 22 أبريل 2020
banner
غوستاف والرعب من حدوث خراب عالمي
الأربعاء 22 أبريل 2020

جلوسنا في المنزل هذه الأيام غير سلوكنا ونظرتنا، وكان يفترض أن نوفر وقتا للقراءة في السابق وألا نستسلم لفاجعة العمل والالتزامات التي لا تنتهي، وبما أن الفترة التي نمر بها لها علاقة وطيدة بالسلوك والنفس والمستقبل، وددت أن أشاركك قارئي العزيز الاستفادة من الكتاب الرائع “النفس غير المكتشفة” للطبيب والعالم النفسي السويسري كارل غوستاف الذي انتهيت من قراءته قبل أيام، مستعرضا وملخصا أهم فقراته.

يطرح غوستاف سؤالا ينطلق كالوهج وهو.. ماذا سيأتي بالمستقبل؟ هذا هو السؤال الذي يتردد دائما، كلما ازدادت محنة الإنسان المعاصر تأزما، بتفاقم المحن الجسدية، والسياسية والاقتصادية التي أخذت تطبع بطابعها عصرنا بأكمله. وعندما تتضارب التوقعات والأحلام اللاهثة وراء “يوتوبيا” عسيرة المنال يبقى المستقبل فقط خلاص الإنسان الوحيد مادام يعني الغد الذي يعجز عن استجلائه ببصيرة واعية لا تحيط قدرتها الرؤية وخيالات الحلم وثراءه.

ثم يتساءل غوستاف بصوت كالمطر النازف ويقول... يبدو أننا نعيش مرة أخرى في ذلك الرعب المصيري من حدوث خراب عالمي، ذلك أن توقعات عصر العلم المتفائلة تتلاشى بسرعة، مع انسحاب العصر الألفي السعيد واقتراب نهايته، وتطور التكنولوجيا الهائل الذي يواكبه انسحاق مريع على الصعيد الفردي ونشوء ستارات حديدية تقسم المجال الإنساني إلى معسكرات متطاحنة وتساقط قلاع الفرد الإنساني وانتشار الظلمة الروحية والأخلاقية.

ويلف غوستاف بعد ذلك حول عنقنا إكليلا من ثمار “أوديسيوس” ويقول... قد يقال إن الحوار العقلاني وسيلة نافعة لتجاوز التناقضات المتولدة عن عدم فهم معسكر معين لوجهة نظر الآخر، غير أن مثل هذا الحوار يمكن أن ينجح فقط، إذا ما كانت الحالة المعطاة لا تتعدى الدرجة الانتقادية، فإذا ما تعدت هذه الدرجة، حلت صيحات الحرب محل العقل. إن كارل غوستاف بهذا الكتاب الجميل، يلتحق بأولئك العلماء الذين يدخلون العتمة بلا هوادة كالديدان الطويلة العمياء التي تأكل على مهل، عله يفهم الأسرار ويكتشفها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .