العدد 3416
الثلاثاء 20 فبراير 2018
banner
طفلا سوق واقف
الثلاثاء 20 فبراير 2018

في سوق واقف بالتحديد، نهاراً، كان طفلان يطرقان نوافذ السيارات، جسماهما ممتلئان، ملابسهما مهترئة لا توحي بأنهما انتظما في المدرسة اليوم، متشابها الشكل حتى خلتهما أخوين. طرق أحدهما نافذة سيارتي، وأنا أحاول ركنها بجوار أحد المطاعم، لم أهتم لأمره، فابتعد بحثاً عن سيارة أخرى عله يجد ضالته.

كنت أظنه متسولاً؛ ولم أرد تشجيعه على هذا الامتهان السيئ، كما لم أكن في وقت يسمح لي بإسداء النصيحة، متوقعاً أنها أسديت إليه مراراً وتكراراً. وأنا أنتظر طلبي، اقتربا من بعضهما، جلسا على دكة مجاورة، وبدآ استخراج أوراق النقود من جيوبهما، من فئة الدينار ونصف الدينار، بدأت عدها معهما بنظري حتى ناهزت العشرة دنانير في المجمل تقريباً.

أصابني الفضول، فأطلقت بوق سيارتي لأجد أية إجابات عن أسئلتي، فالتفت إلي أحدهما، يبدو الأكبر سناً وحجماً، سائلاً: هل تقصدني؟ أشرت بنعم. اقترب من سيارتي بينما كنت أفتح النافذة لأستهل الحديث معه، اتكأ بمرفقه على باب السيارة، سألته: ألم تذهب إلى المدرسة اليوم؟ قال: لا.

ظننت في بادئ الأمر أنهما متسولان، لكنني صدمت عندما عرفت منه أنهما يبيعان الماء، فطلبت منه الماء عطفاً لأشتريه، إلا أنه أفادني بنفاده. سألت: أين والداك؟ ألا يعملان؟!

خنقتني العبرة عندما عرفت أنه بحريني، عندما عرفت أن لا إخوة لديه، وأنه يعيش لوحده مع والديه، خنقتني العبرة عندما سمعت منه كلاماً لطيفاً مُهذباً يعبر فيه عن مدى حاجتهم القصوى للمال، وأنه لا معين له، ولا لابن خالته الذي يبيع الماء معه؛ فهما يعملان لسد احتياجاتهما اليومية، لأن مبلغ المساعدات لا يكفي.

إلى المسؤولين... كم طفلاً غيرهما يجوب الشوارع للاسترزاق، بضاعتهم طفولتهم، ألعابهم، وأيامهم التي لن تعود؟! أكنا معتادين أن نرى صغارنا - نحن البحرينيين - على هذا الحال من السوء؟! كيف يمكننا بناء مستقبل لهذا البلد ولدينا مثل هذه الحالات دون أن نلتفت لمعالجتها بشكل يمنعها من التفاقم إلى مستوى الظاهرة؟ من سيبني ويُعمر هذه الأرض غداً غير صغار اليوم؟ أما آن الأوان لأن نستفيق من أجل البحرين، من أجل مستقبلها الذي نتمناه؟

طفلان بهذا العمر، لم يتجاوزا عشر سنوات، ألم يكن حرياً بنا أن نصنع منهما مفكرين، مبدعين أو منجزين؟! بدل أن يطرقا النوافذ حتى يتمكنا من سد جوع بطنهما!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية