العدد 3108
الثلاثاء 18 أبريل 2017
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
العرب بين الناقة والطاقة
الثلاثاء 18 أبريل 2017

 

لن يفيد الحل الأمني بلا أمن ثقافي، وكي يكون هناك أمن ثقافي لابد من زرع قناديل فلسفية بعقول المجتمع، زراعة مصابيح معرفية بالجامع والجامعة، وكذلك في داخل الوزارات، وكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. 

لن يكون هناك حل ما لم نمارس (المنتيننس) الثقافي داخل الكتب السياسية المليئة بالطحالب وكتب الدراسة والجامعات، التي يبتلعها أطفالنا، وشبابنا، والتي تركز على قلاع التاريخ المحشوة بالغبار. 

لن يزحف النور والسجون الأيديولوجية قائمة. وإن هدم هذه السجون لن يكون إلا (ببلدوزر) فكري ثقافي نقدي، يقوم على حفر الأعمدة الاسمنتية بمنهج اريكولوجي فلسفي يهز الأعمدة. 

والبداية تكون بخلق وزارة بلدية (ابستمولوجية) تكنس كل الخرافات من العقل العربي، فعقول المجتمع الإسلامي مخصية بالتاريخ وبعض شخصياته التي ما فتئت تخصي عقله كلما حاول التصالح مع جمال الحياة، والتعرف على إله السلام والمحبة. 

نحن نعيش انتفاخا حداثويا متضخما في الشكليات، وآلات الحداثة، وأجهزة الحضارة، وضمورا في الفكر، والأفكار، والتصالح مع الفلسفة الحداثوية، حيث للآن نسأل عن ديانة ومذهب الفرد، ولا نسأل عن إبداعه، ومنتوجه الإنساني في خدمة البشرية، وهنيئا لكل عائلة قائمة على ديانة أب تختلف عن ديانة الأم، فهم صمام أمان لكل وحدة وطنية. نتلهى بقمامة حضارة الغرب، حيث لكل حضارة جواهر وطين، ناسين أن الغرب هو عرين الحضارة.

نركز على رؤساء الدول الغربية (الفامبايرز) مصاصي الدماء، ونبتعد عن التنقيب في كنوز فلسفتها الحضارية. 

كيف نخرج من عصر الناقة إلى إلطاقة، ومازلنا نرش ماء الورد على العمليات الإرهابية، وكل زيت العنف الموزع على شواطئ حياتنا، كل طائفة تتفاخر بميلشياتها الخائبة، التي مازالت تحكم حياتنا بلحاها التي يخرج منها غبار التاريخ. 

لن يكون حل، وذهنية الرأي العام مازالت متأثرة بالتحريم الديني، حيث التفاسير الدينية بحاجة إلى الغسل بالماء والصابون. 

سنبقى في عصر الناقة لا الطاقة ما دمنا حتى الآن نعيش فوبيا النقد لهذه التفاسير المتكلسة، ولا نمارس الليزر النقدي لحفر حجارة التفسير وإخراج جواهر المعاني العقلانية التنويرية، والأحجار الكريمة من قيم ومثل ومبادئ الأديان، كل الأديان لنحظى (بكوكتيل) حضاري، كؤوسه مزينة بجواهر الأفكار، لنعيش حياة سعيدة بلا اكتئاب ديني بشري من صناعة كهنة النص. 

الثقافة المتطرفة متسربة في أغلب مزاريب الأديان، فكل ميلشيات فيها من العنف ما فيها، بعضها مركز، وبعضها (لايت). وقدرتنا في وضع (فلتر) ألماني (نيتشوي) لا صيني (ماوي) يزيل كل الأتربة.

بالتنوير لن نكره إلا الكراهية، ولن نحب إلا الحب. وبها سننتشي بالدينية الوسطية، التي تتربي في سيستم علماني، وليس إلحاديا، فهناك فرق بين الإلحاد السوفيتي الشيوعي الذي حارب الدين، والعلماني الفرنسي الذي يحرس دور العبادة، ويضع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. 

مشكلة العالم الاسلامي للآن لا يميز بين جمال العلمانية في إدارة الحكم وقراقوشية وتخلف الإلحاد الخائب.

أنصح الشباب، قراءة كتب محمد أركون، وكتاب علي عبدالرازق في كتابه العظيم الإسلام وأصول الحكم، الذي يفصل بين الدين والسياسة، أو كتب المفكر التونسي محمد الطالبي، أو ترجمات وكتب المفكر السوري هاشم صالح في علاجه للعنة ربيع رجال الدين (الربيع العربي)، أقصد (البعير العربي) كما هو عنوان كتابي الذي في طريقه للنشر، أو قراءة فكر السعودي إبراهيم البليهي، هذا الأيقونة الفكرية المنبثقة من القصيم.

بين زمن الطاقة والناقة مسافة لا يمكن فك شفرتها إلا إذا ابتدأنا مشروع الأمن الثقافي، الذي اخترق أمننا الثقافي بمتفجراته الفكرية المغلقة، وأحزمته الثقافية القروسطية الناسفة، فأسلاك النقد، وكامرات التنوير، وشمشمة الابستمولوجيا هي الحصانة من اختراق عقلنا الكوني وقريتنا الكونية الواحدة. 

في البدء تكون الثقافة، فبها يتحدد سلوكنا الثقافي، وأفعالنا، ونظرتنا للحياة، والإنسان، والجمال، والإنسانية، فبحجم العقل نقرأ حجم النص، والآية والحديث، والتاريخ، وطبيعة العلاقة بين البشر، وهنا نفهم الوطن والمواطنة والحكم والعدالة، فالعقل الضيق يقرأ الحياة ضيقة، والكبير والمفتوح يراها مفتوحة وكبيرة.  

كن إنسانا ستقرأ القرآن الكريم قراءة إنسانية، وستنزع وتسحب فتائل قَنابِل البشر التي خبأوها بين ثنايا نصوص آيات القرآن الكريم وأحاديث رسولنا الكريم ((ص)). كن إنسانا وكفى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية