ستظل مأساة أبناء حلب شاهدة على غياب الضمير العالمي وانعدام الحس الإنساني والاستهانة البالغة بأرواح البشر لدرجة لا مثيل لها ومستوى غير مسبوق من الاستهتار وصل لحد قيام المعتدين المتجبرين بإرسال دعوات “مستفزة” للمحاصرين المعذبين الذين يواجهون صنوفا شتى من العذاب والمعاناة، بعد أن مات منهم مئات الآلاف، فبات هؤلاء يتلقون القنابل والصواريخ مع دعوات لمباراة كرة قدم ودية بين النظام السوري والمدنيين ومقاتلي المعارضة السورية في حلب.
النظام السوري الذي يقوم بإرسال رسالة نصية جماعية إلى أهل المدينة لإقامة مباراة ودية، يعتبر أنها بادرة حسن نية على طريق المصالحة الوطنية، وأن أي مواطن يستطيع المشاركة في المباراة، بينما يرفضها الطرف الثاني “المدنيون”، معتبرينها دعاية.
يمكن النظر لهذا السلوك الاستفزازي من أكثر من زاوية، من بينها أنه استعراض للقوة وتعبير عن الثقة بالفوز سواء في الحرب غير الإنسانية التي يشنها ضد أهالي حلب أو المباراة التي يدعو لإقامتها، وهو ما نراه حاليا في تزايد حدة قصف المدن وقتل وتشريد أهلها، والنشاط المحموم لوزير خارجية هذا النظام وتصريحاته المفعمة بالثقة في قرب سيطرة النظام على الأوضاع كاملة، ولهذا فإن لديهم الوقت للمشاركة في مباراة بل ومباراة ودية على أشلاء الموتى والجرحى، ووسط جمهور حزين ومشغول بحصر قتلاه وتعداد ضحاياه.
ربما يريد النظام من هذه الدعوة إضفاء جانب إنساني ـ لا يمكن تصديقه بطبيعة الحال ـ والقول إنه حسن النية ولا يريد حربًا، ولكن أنى يمكن تصديق ذلك وأيادي هذا النظام ملطخة بالدماء وممسكة بالصواريخ والقنابل وكل الأسلحة الفتاكة المصوبة تجاه أبناء حلب ولا تغادر منهم طفلاً أو امرأة.
يمكن النظر لهذه المباراة الودية بأنها حيلة من حيل النظام لإخراج أهالي حلب ممن يتحصنون داخلها ليتمكن من التخلص منهم عبر الممرات التي ستكون وسيلتهم لحضور المباراة، خصوصا أنها جاءت بعد لجوء النظام إلى إرسال رسالة نصية أخرى إلى أهل حلب مفادها: “فكرة كسر الحصار انتهت، قادتكم يدفعونكم إلى الانتحار وأنتم تعتقدون أن هذه شهادة في حين أنهم ينسحبون ويفرون هاربين”.
تبع هذه الرسالة هجوم غاشم وقصف وحشي للمدينة، لكي يضع أبناءها أمام خيارين وهما إما الجوع بسبب استمرار الحصار أو الاستسلام والحصول على العفو.
واضح أيضًا أن النظام يحاول الوقيعة بين الأهالي وبين قوات المعارضة التي تسيطر على المدينة، خصوصا أن الوقيعة تبدو سهلة في ظل الوضع المأساوي الذي يعيش فيه أبناء حلب والذي قد يدفعهم إلى القبول بأي عرض لإنهاء الحرب.