العدد 2946
الإثنين 07 نوفمبر 2016
banner
الإغواء والتخلي
الإثنين 07 نوفمبر 2016

 يعيش عالمنا العربي حالة من الترقب لما ستسفر عنه انتخابات الرئاسة الأميركية، وهل ستأتي بهذا الفج في تصريحاته والمخيف في سياساته دونالد ترامب الذي جاء من بعيد، حتى تصدر التوقعات واستطلاعات الرأي قبيل الانتخابات بأيام قليلة، أم سيكون الفوز حليفا للوجه المألوف، أي صاحبة السياسات التي تبدو كأنها عاقلة ومتوازنة وقريبة منا كدول عربية وإسلامية، وهي هيلاري كلينتون التي تملك تجارب وخبرات في التعامل مع المنطقة بحكم توليها منصب وزيرة الخارجية في فترة سابقة.

هذا الترقب - وربما القلق - الذي يساور البعض يعكس حالة مرضية مزمنة لا نريد أن نفيق منها أو نتخلى عنها رغم التجارب المؤلمة والكثيرة التي تؤكد لنا أنه لا يوجد خلاف جوهري بين رئيس أميركي وآخر، لأننا إزاء دولة لها اهداف ثابتة يسعى جميع الرؤساء لتحقيقها ويعملون في إطارها، وإن بتكتيكات مختلفة واستراتيجيات متباينة، لكنها بالنهاية تصب في ذات الأهداف المرسومة منذ سنوات والمتفق عليها ولا خلاف حولها. من أهم دروس تجارب الماضي مع الرؤساء الأميركيين على اختلاف انتماءاتهم ما بين ديمقراطيين وجمهوريين، أنه لا يمكن الثقة في أميركا وأنها لا يمكن أن تكون ذلك الوكيل أو الشريك الذي يسعى لتحقيق مصالحنا، حتى وإن تحققت لنا بعض المكاسب جراء السياسات الأميركية، لأن تحصيل هذه المكاسب جاء فقط نتيجة توافقها مع المصلحة الأميركية لا رغبة أميركية في تحقيقها لنا.

صحيفة واشنطن بوست الأميركية قدمت لنا نصيحة ذهبية حين أكدت الصحيفة في مقال لها مؤخرا أن الولايات المتحدة تقوم بتجنيد بعض القوى المحلية في الحروب والاضطرابات التي تشارك بها، ثم تتخلى عن هذه القوى عندما تتعقد أزمة أو تحدث تدخلات إقليمية فيها، وهو ما أطلقت عليه سياسة “الإغواء والتخلي” التي تم تطبيقها في العديد من الدول ومن بينها العراق ولبنان. وأعربت الصحيفة عن تخوفها من عدم التزام واشنطن بحماية وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تتعرض للقصف من جانب الجيش التركي، بعد أن شكلت حليفا مثاليا للولايات المتحدة في محاولة استعادة مدينة عين العرب (كوباني) السورية الواقعة على الحدود التركية من سيطرة تنظيم داعش أواخر 2014، فتبنت إدارة الرئيس أوباما حماية هذه الوحدات لدورها الملموس في استعادة هذه المدينة. لهذا، خلصت الصحيفة إلى ضرورة الحذر من الوعود الأميركية وعدم التسليم بها أو التوكل عليها، لأنها بالنهاية لن تلتزم بها إذا ما تسببت في أعباء إضافية أو مشكلات لها.  علينا ألا ننسى تجربتنا المريرة مع الرئيس الحالي باراك أوباما وحالة الأمل التي سادت أرجاء العالم العربي فور الإعلان عن فوزه برئاسة أميركا قبل ثماني سنوات وتعاملنا معه وكأنه سيحل جميع المشكلات دون قطرة دماء لكنه أنهى رئاسته بالبيت الأبيض والدماء تسيل في كل مكان وسوف تستمر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية