العدد 2775
الجمعة 20 مايو 2016
banner
منع الجمع بين اعتلاء المنبر الديني والعمل السياسي
الجمعة 20 مايو 2016

أرى أن إقرار قانون منع الجمع بين اعتلاء المنبر الديني والعمل السياسي سيكفينا هم استغلال بعض رجال الدين المنبر الديني لأغراضهم السياسية، وهو ما بات يشكل قلقاً كبيراً لدينا في البحرين.
أحد الأساتذة من الدول العربية، وفي حديثٍ عابر عن البحرين، كان يشير إلى رأيه بوجود سلبية واحدة فقط في المجتمع البحريني، والتي لخصها بشكل غير مباشر بمحاولة ربط البعض الدين بالعمل السياسي، ناعتاً بالدرجة الأولى البحرين بالبيئة الثقافية الخصبة، بيد أنها بحاجة ماسة إلى القضاء على تسييس الخطاب الديني.
الإشكالية تتمحور في تأثير معتلي المنبر الديني المباشر على عامة الناس باسم الدين، وهذا ما يجعل المستمعين بشكل متواصل إلى هذا الخطاب ــ من باب اكتساب الأجر والثواب ولارتباط الخطاب بالعبادات ــ يصدقون ما يستمعون إليه؛ لأنه منسوب إلى الدين ومبادئه، على حد قول ناطقيه.
لو كنا في البحرين بعيدين منذ زمن عن هذا التسييس للدين وخطاباته، لكنا بمنأى حقيقة عن كل ما جرى من عثرات ألمت بنا فيما مضى، حتى وإن كان ذلك أحد الأسباب، وليست الأسباب مجتمعة.
إننا لسنا على قدر من العلم بكل شيء، ورجال الدين شأنهم شأن أي متبحر آخر في علمه وتخصصه، لكننا اليوم، وحينما ننسب الدراية لرجال الدين فقط، فإننا لسنا منصفين في حق مجتمعنا أبداً.
بطبيعة الحال، من حق رجال الدين أن يشاركوا بدور فاعل في الحياة السياسية، لكن أن يكون الخطاب بلغة أن رأيي السياسي مع الله، وكل شيء عدا ذلك يندرج تحت الخطأ، فذلك فكر خطير، كفانا معاناة منه. هذا الفكر الذي يصيب مجتمعنا بالانصياع، ويجعله دون أن يشعر طوعاً لأي رأي وإن كان مدمراً له ولمستقبله.
لكننا في ريب إلى حد ما من أن يلتزم البعض بهذا القانون بعد إقراره؛ لأن الانتساب إلى الجمعيات السياسية قد يكون حبراً على ورق، فالانتخابات على سبيل المثال تعطي حق الترشح لكل بحريني، وقد نستمر فيما اعتدنا عليه عند الحديث عن بعض المترشحين بالقول إن فلاناً محسوب على التيار العلاني أو إن فلاناً يتبع بفكره ذلك التيار الآخر. وهذا الحال من الصعوبة بمكان أن نتمكن من السيطرة عليه بشكل تام.
كفانا ما تمخض عن جعل المجال سانحاً للخطاب الديني المسيس، في وقت لسنا ضد أن يكون لرجل الدين رأيه السياسي؛ لأننا من حقنا جميعاً أن نبدي آراءنا، وأن نكون فاعلين في ذلك، باعتباره جزءا من مسؤوليتنا تجاه مجتمعنا، بيد أننا لسنا مستعدين أبداً لأن يستمر هذا الصوت الذي يعتلي المنبر الديني كوكيل لنا سياسياً، وجاعل من الخطاب الديني وسيلة لتحقيق أهدافه الخاصة.
بعد هذا الإقرار، نرى أن الجمعيات التي نسب إليها الفكر والتوجه الإسلامي، قد يتقدمها أصحاب السترات، الذين يمثلون الوجه التكنوقراطي فيها، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة على صعيد عمل الجمعيات السياسية ــ وإن كانت باهتة اللون في هذه الفترة ــ قد تعتمد عليهم. ولن ينفك هؤلاء عن اعتماد آراء ومشورة رجال الدين، الذين يرونهم أشد حكمة وفهماً من الناحية الدينية التي لا يمكن فصلها عن السياسة برأيهم. لكن بغض النظر عن هذه النظرة المتشائمة في جزئية هذا القرار، إلا أننا متفائلون في المجمل من هذه الخطوة التي بادرت بها الحكومة بتقديمها الاقتراح بقانون إلى المجلس النيابي، ونثمّن دور المجلس النيابي في إقرار القانون، فهي خطوة جديرة بأن تحل قدراً كبيراً من المشكلة التي نالت منا بما فيه الكفاية، وأن تبعدنا عن استئثار رجل الدين بالمشهد السياسي بسبب اعتلائه المنبر، آملين أن تأتي الحقبة المقبلة بعمل سياسي بعيد عن استغلال الدين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية