العدد 2437
الأربعاء 17 يونيو 2015
banner
تاريخ المكتبات الوطنية في البحرين عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأربعاء 17 يونيو 2015

“المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي صرح ثقافي شامخ”، سجل مجيد يؤرخ تاريخ المكتبات الوطنية في البحرين، للدكتور منصور محمد سرحان ـ عضو مجلس الشورى (مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي). دوّن فيه المؤلف تاريخ نشأة المكتبات في البحرين الخاصة والأجنبية والتجارية والعامة، معلومات مثيرة ومهمة ذكرها المؤلف عن صراع الإنسان البحريني وبحثه عن المعلومة والأخبار ورغبته الجامحة في متابعة الأحداث، فتأسيس المكتبات بأنواعها ساهم كثيرًا في حصوله على ما أراده وإن كانت المعلومات والأخبار تلك قليلة وتأتي متأخرة إلا أنه يحصل عليها، فتأتي متأخرة أفضل كثيرًا من ألا تأتي، وقليلٌ خيرٌ مما لا شيء.
هذا السفر الجميل الذي تصفحته كثيرًا وتمتعت أكثر بأسلوب د. منصور سرحان الجميل والأنيق في سرد المعلومة وتبسيطها للقارئ يحتوي على تاريخ المكتبات الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ البحرين العريق، فأهل البحرين كانوا ولا يزالون مولعين بالقراءة ومتابعة الأخبار والأحداث، وكانوا سابقًا يتحلقون حول المذياع الواحد لسماع أخبار العالم، ويسرعون جريًا إلى المكتبات القليلة الانتشار حينذاك للاطلاع على ما وصلتها من الصحف والمجلات التي تأتي أكثرها من بيروت والقاهرة، وقلة من المجالس الأولية مَن تقتني أعدادًا من تلك الصحف والمجلات التي ينشدها الزائرون للاطلاع عليها وقراءة ما جاء بها.
ومما ساعد على نمو الثقافة البحرينية وحُب الاطلاع والقراءة لدى أهل البحرين هو بداية التعليم المُبكر للرجال والنساء، فالتعليم هو الدعامة الأولى للقراءة والقراءة تؤسس الثقافة لدى الإنسان، ولنشر الوعي الثقافي فقد تأسست الأندية في البحرين والمكتبات الخاصة، وهي بحق عبارة عن مشاريع ثقافية وتعليمية جديدة في تلك الفترة من الزمن السابق، منها ما ذكره المؤلف مكتبة (الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور، الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، مكتبة زويمر)، وغيرها... فاهتم أصحابها بجمع الكتب والدوريات والمجلات من شتى دول الإنتاج الفكري والثقافي مما جلب أنظار المتعلمين والشعراء والأدباء والعامة ونال إعجابهم، ولقلة ما يورد من الكتب والمطبوعات الثقافية كانوا يتناوبون على قراءتها والاطلاع عليها بكل شغف وحُب ومودة. واستمرت ظاهرة تأسيس المكتبات الخاصة والتجارية والمتنوعة في البحرين تزداد متوافقة مع زيادة إقدام أهل البحرين من الأدباء والمثقفين والعامة على القراءة وحُب الاطلاع، فأصبح الكتاب والمكتبات ومعارض الكتاب السنوية سمة من سمات المثقفين في البحرين.
ويسرد المؤلف قصة أول محاولة لإنشاء مكتبة عامة بحرينية وذلك في عام 1913م، حيث اتفقت مجموعة من نخبة المجتمع من شيوخ دين وتجار ومثقفين وأدباء لتأسيس مكتبة عامة واستأجروا محلاً بشارع الشيخ عبدالله بالمنامة ليكون مقرًا لها، لم تستمر طويلاً حتى أغلقت ليتأسس مكانها “نادي إقبال” حيث هو الآخر تم إغلاقه بسبب محاربة شيوخ الدين له. وفي عام 1920م بدأ الشيخ محمد علي التاجر تأسيس “مكتبة التاجر” بالمنامة، وأسس إبراهيم كمال “المكتبة الكمالية” بالمنامة في 1921م، وفي عام 1929م أسس إبراهيم عبيد “المكتبة الوطنية” في المحرق، وتتابع إنشاء المكتبات تاليًا في جميع محافظات ومناطق البحرين حتى بلغت أكثر من (100) مكتبة في عام 2014م.
وتتوج تشييد المكتبات في البحرين في مساء يوم الخميس بتاريخ 18 ديسمبر 2008م بتفضل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد بافتتاح “مركز عيسى الثقافي” وما يتضمنه من مكتبة ضخمة هي المكتبة الوطنية. وهي بحق صرح ثقافي وعلمي جلب أنظار أهل البحرين وزوارها، فقد تأسس هذا المركز ومكتبته من أجل نشر الوعي الثقافي وتهيئة المكان المناسب والمناخ الملائم للقراءة، لما للقراءة والاطلاع من أهمية خاصة في حياة الإنسان، فالمكتبة بجانب ما تحتويه من أمهات الكتب والمراجع الثقافية من أدبية وتاريخية وسياسية وفقهية متنوعة وعديدة فتحتوي أيضًا على أوعية إلكترونية تتيح للقراء والباحثين والدارسين الالتقاء بشتى أنواع المصادر المعرفية والأدبية. وفي ذات الوقت فهي معلم ثقافي يحافظ على النتاج الفكري الوطني بجانب ما تعرضه من النتاج الفكري العربي والإنساني المتنوع.
إن الكتاب ممتع في قراءته، وسفرٌ جميل يسهل اقتناؤه، وتسعد صحبته، ويحظى بالوقت الجميل لمن يطلع عليه ويقرأه. فشكرًا إلى الدكتور منصور محمد سرحان على هذا المؤلف الذي يُعد في حقيقته مكسبًا ثقافيًا لأرفف مكتباتنا الوطنية والتربوية والخاصة.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية