العدد 2118
السبت 02 أغسطس 2014
banner
ماذا دبر بالليل؟ زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 02 أغسطس 2014



تمثل الصحافة السلطة الرابعة، ولعل حرص الدول غير الديمقراطية على الهيمنة على وزارات الإعلام ووضعها تحت الحراسة الدائمة ما يؤكد ذلك. وإذا كانت الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة قد شكلت كل هذه القوة التي جعلتها تتبوأ هذا المركز فسيكون من غير المستغرب ان تهرع الدول للسيطرة على كل ادوات التواصل الاجتماعي التي كسرت احتكار السلطات للإعلام، ورغم كل التشريعات التي تكبل الصوت الحر إلا ان هذا الصوت وجد طريقه للعالم لينقل كل فضائع الأنظمة، فقد اثبتت احداث غزة أن المصلحة تصطدم مع كل ما وصل اليه الإنسان من قيم الحرية والمساواة. فحتى الأمم المتحدة بيت الديمقراطية العالمي وحارسها وحاميها نراها تقف عاجزة أمام الهمجية الصهيونية ومذابحها ومجازرها في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، ووصل الكيان الصهيوني بهذه الهمجية إلى أعلى مراتب النازية التي انقرضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنه ظل يمثلها بحكم كل الممارسات اللاإنسانية والمتمثلة في قنص المدنيين وتدمير بيوتهم ومنع الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من القيام بأدوارها وقت الحرب وقصف المستشفيات وغيرها من الفظائع التي يقشعر لها الجسد الحي. ولعل ما يثير السخرية اختيار الصهيوني “موردخاي أميهاي” لمنصب نائب رئيس لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، وهو الذي يمثل دولة تستعمر أراضي الغير (فلسطين) وكانت ومازالت تستعمر في لبنان وتحتل الجولان وتستوطنه حتى الوقت الراهن.
ورغم كل هذه الفضاعات التي تقوم بها الدولة الصهيونية إلا ان أغلب السلطة الرابعة سواء في الدول العربية أو الأجنبية مازالت تغض الطرف وتحاول تجميل ما تقوم به اسرائيل على انه دفاع عن النفس وحق من حقوقها السيادية، متجاوزين الحقائق التاريخية التي انقلبت فجأة في عرف الإعلام بحيث اصبح الجاني هو الضحية والضحية هي الجاني الذي لزاما عليه دفع الثمن. عملت الصحافة على تهويل بعض الحقائق او الاستهانة بأهميتها بقدر عملها على تزييف الحقائق وطمسها. وحقيقة الاستيطان الصهيوني لفلسطين انقلبت لتتحول إلى استيطان فلسطيني لأرض اسرائيل. ونرى هذه الحقيقة الزائفة كيف تجمل وتهذب زواياها لإقناع الأجيال الحالية والقادمة بأنها صحيحة وتاريخية.
قامت دول أوروبا وعلى رأسها ألمانيا بذبح اليهود بعد أن كانوا يعيشون في حصار دائم داخل اوروبا نفسها فهم المنبوذون المكروهون ولعل هذا الكره هو امتداد لانتصار المسيحية على اليهودية في صراع استمر عقودا من الزمن لينحسر نفوذ الديانة اليهودية ويصبح تابعوها فئة قليلة مقارنة بالمسيحية وفئة منبوذة ومكروهة. اليهود كانوا أصحاب سمعة سيئة في التعامل التجاري وسيطرتهم على القطاع المالي خلقت الكثير من الحقد والبغض لهم وللعبهم أدوارا مزدوجة في الحرب الكونية الأخيرة، ولعل رواية شكسبير “تاجر البندقية” تعبر بشكل كبير عن التحولات المجتمعية والسياسية تجاه اليهود.
وبعد الحرب العالمية الثانية وقيام أوروبا بأبشع مجزرة في التاريخ الإنساني تجاه الديانة اليهودية وأتباعها، لم تجد أوروبا طريقة للهروب من تبعات هذه المجزرة من الناحية الإنسانية والقانونية إلا بخلق كذبة الصهيونية وأن فلسطين هي الوطن التاريخي وتم حبك الحكاية ولعب الإعلام دوره المهم والأول في الترويج لهذه الكذبة بين اليهود التواقين للهروب من جحيم الأوروبين فكانت فلسطين الخيار الأفضل، فتاريخ فلسطين وكل ما سطر في الكتب السماوية عن اليهود تم استخدامه للخروج بقصة صدقها العالم اجمع ونسي العالم ان الشعب الفلسطيني ليس هو من قام بالمذابح في حق اليهود وليس هو المعني بدفع الثمن. ولكن كل القوى الرأسمالية وضعت ثقلها لحبك اللعبة وقلب الحقائق، فأصبح الفلسطيني هو الإرهابي المجرم وهو المحتل المعادي للسامية والذي يريد اجتثاث اليهود من وطنهم واحتلاله. واليوم وغزة تذبح يروج لهذه الكذبة ولكن بحماس اكبر في الصحافة العربية وبذلك هدم العرب تاريخهم فأصبحوا كلهم شمشوم الجبار الذي هدم المعبد عليه وعلى اعدائه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية