العدد 2114
الثلاثاء 29 يوليو 2014
banner
عسكرة الثورات وورطة التسلح... بدائل الغرائز البدائية (1) خالص جلبي
خالص جلبي
الثلاثاء 29 يوليو 2014

هناك من أخبرني أنه من مدينة “الربيعة” الصغيرة بجنب حماة وهي علوية قد خسرت 700 قتيل بما يشكل حالة ماحقة ساحقة أقرب للزلزال إن لم يكن أشد، فلم يبق بيت بدون حزن ودموع، فشربوا الكأس دهاقا تلك التي أذاقوها لجيل المتظاهرين الأوائل وعائلاتهم.
وهناك من يتحدث عن مئة ألف ضحية من صفوف العلويين، وهو يعني بكلمة ثانية أن هذه الطائفة في طريقها للفناء فهل من حماقة أكبر من هذه أن يمضوا إلى الهاوية مع العائلة الأسدية، ولكن هذه هي سخرية التاريخ المتكررة: “أعيت الحماقة من يداويها”.
وفي تقديري أنه لن يبقى حجر على حجر، وسيذكرنا الرقم في نهاية المحرقة الشامية بالحرب الأهلية الإسبانية التي كلفت أكثر من مليون قتيل؛ مع فارق النتيجة؛ فالشعوب لا تهزم، وفي النهاية ذهب فرانكو إلى لعنة التاريخ وسيلحقه إلى هذه البوابة السنور الصغير.
كثيرا ما أتأمل الآية 44 من سورة الحجر بأن أبواب جهنم سبعة “لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم”. يسبح بي الخيال عن ضيوف جهنم وأبوابها؟ مثلا البوابة الأولى حصة من ستكون؟ وهكذا حتى البوابة السابعة؟ لا أدري؟ أتذكر “جحيم دانتي” وماذا رأى فيها؟ أقول في ظني إن إحدى البوابات هي للطغاة حيث نرى ستالين وبول بوت وأتيلا وجنكيزخان وتيمورلنك وإيفان الرهيب وهتلر وتيتو والقذافي والأسد أو هكذا أظن وأزعم. من الملفت للنظر كمية القيم التي أفرزها البدن العربي من سلسلة الأصنام الحية المقرفة المقززة.
يتحدث الكاتب عن التحول في مجرى الثورة في الصفحة 231 فيرى أن حمل السلاح يظهر في سياق تعضل أية ثورة سلمية، وكذلك التوقيت، ويرى مفصل ذلك كان في رمضان 2011م بعد ستة أشهر من الحراك السلمي، حيث شعر الثوار أن النظام سيقتلهم بدون إبطاء فبات الدفاع عن النفس حتميا.
أنا شخصيا أعرف نظام البعث جيدا، وأنه ليس ثمة هامشا عنده، عبر عنها بشكل جيد وكان صادقا فيها ونفذها: “الأسد أو نحرق البلد”.
يقول ديفيد ليش صاحب كتاب “سقوط مملكة الأسد” إن النظام استخدم العنف بطريقة ميكيافلية؛ قتل أقل، مقابل عدم تدخل دولي أقل، وشعر النظام ومن معه أنهم على ظهر سفينة تيتانيك بدون ستر نجاة: إما التماسك معا أو الغرق سوية.
هذا يذكرني بمقالة قرأتها باللغة الإنجليزية، حيت استخدمت عبارة “التماسك معا أو أن يشنقوا فرادى”. فقد تلوثت أيديهم بالدماء وليس ثمة خروج من مستنقع الدم هذا “keep together or hanged seperated”.
شركاء جريمة فمنهم من قتل بالقنص ومنهم من استخدم الساطور والخنجر، ومنهم من قتل بالكلمة في جمعية الأمم من شكل الجعفري، أو من قتل بالفتوى من شكل الحسون والبوطي، أو من قتل بالكذب في المؤتمرات في أبواق مشرعة كوزير إعلام وخارجية من شكل الممتلئ شحما وسحتا.
هذا هو أحد أسرار عدم وجود تصدعات في القمة، يضاف لها الحلف الطائفي والسلاح الروسي والنفط العراقي. إنه في النهاية حلف حديدي في وجه الثورة السورية اليتيمة.
وحين يتحدث عن مشكلة “عسكرة الثورة” يرى أنها لن تضع نهاية للعنف بل على العكس. وأن استخدام السلاح سوف يحرك عند النظام ومجرميه الملطخة أيديهم بدماء الكثير من السوريين غريزة البقاء.
هنا سيتحول الصراع إلى ظاهرة وجودية بغرائز الغابة الأولية، ويعترف الثوار أن هذا المنزلق لم يكونوا راغبين فيه؛ في ضوء الشعارات الثلاثة حيث أطلقتها الثورة في البدايات “لا للطائفية... لا للتدخل الأجنبي... ولا للعنف...”؛ “فانقلبت إلى أضدادها”.
ويعترف الثوار أنه من الصعوبة بمكان إقناع الناس حاليا بمتابعة الكفاح السلمي، هل كان يمكن الاستمرار في التظاهر سلميا، وولادة الثورة أخلاقيا ولو بالشهادة، وتحييد الثورة مظاهر الاقتتال، ودخول المتطرفين أنصاف المجانين من كل طرف؟ أم أن طبيعة النظام العائلي الأسدي الطائفي الحزبي المتعفن لا تنفع فيه إلا جراحة نازفة جدا؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية