العدد 2107
الثلاثاء 22 يوليو 2014
banner
عام على سقوط حكم الإخوان محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الثلاثاء 22 يوليو 2014


سؤال الهوية في مصر ليس وليد اللحظة أي ليس ما بعد انفجار ثورة يناير التي شكلت تحولاً هائلا في تاريخ مصر الحديث بل يضرب بجذوره الى ما قبل عقود وبالتحديد مطلع سبعينات القرن الماضي. اذ بعد هزيمة حزيران وما خلفته في النفس من مرارات وانكسارات ألقت بظلالها القاتمة على النتاج الفكري والثقافي والأدبيّ لدى كتاب مصر ومثقفيها والذي كرس لدى البعض منهم نزعة بأنّ مصر مصرية وأخرى بأنّها فرعونية وثالثة أراد لها أن تكون متوسطية. لكنّ الذي فات هؤلاء جميعاً أنّ مزاعمهم تتناقض كلياً مع طبيعة مصر العربية.
والأدهى هو ما نادت به فئة من مثقفي مصر آنذاك أي نهاية عقد الستينات من أنّ حروب مصر جميعها كانت عبثية وأنه ما كان يجب أن تتورط مصر فيها. وذهبت جماعة اخرى الى القول إنّ مصر أولى ان تبقى ضمن حدودها الجغرافية ولا شأن لها ببقية البلدان العربية ومشاكلها، ولم يستثن هؤلاء ثورة يوليو لكونها أدخلت مصر في قضايا العرب ومعضلاتهم.
بيد أنّ الذي أكده الواقع أنّ انتماء مصر هو عربيّ عروبيّ وأنها قلب العروبة النابض، وهي فوق كل الأوهام والأصوات النشاز بل الأهم أنّ دعواتهم لم تلق استجابة وقدر لها ان تموت في مهدها. إن المحزن أن يكون عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين هو ذاته أحد الذين ادعوا أنّ هويّة مصر مصرية متوسطية أوروبية.. الخ.
واليوم وبعد مضيّ ثلاثة أعوام على انفجار ثورة يناير وعام على سقوط حكم دولة الإخوان فإنّ السؤال الذي يشغل المصريين هو ما هوية مصر؟ وهل ما يطمح اليه الانسان المصري الدولة الدينية أم المدنية؟ انّ هذا المواطن لا يزال يعيش صراعاً بين ثنائية الديني والسياسيّ ولم يقدر لهذا الصراع ان يحسم حتى اللحظة ولا يبدو أنّه في طريقه الى الحسم في المستقبل القريب. أحد اقطاب الحركات الدينية هو الأحمدي أبوالنور يقول إنّ الاسلام متجذر في قلوب المصريين رغم اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية. وقد يكون الرجل علمانياً أو ليبرالياً أو له توجه سياسي معين أو عضوا في أحد الأحزاب لكنه في النهاية مسلم ويشهد أن لا اله الاّ الله وأنّ محمدا رسوا الله ويؤدي الصلاة والزكاة والعبادات.
وبرغم تشديد قيادات الإخوان المسلمين على أن تكون مصر نموذجا يقتدي به الجميع والوطن يستوعب الجميع كما يشيعون في ادبياتهم الاّ أنه على صعيد الواقع العملي فإنّ الملاحظ أنّهم قادوا مصر في غضون عام واحد من سيطرتهم باتجاه أخونتها وفرض الهوية الدينية عليها وهذا يعد أمراً مستحيلاً. انّ أية محاولة لاختزال مصر في هوية أو لون محكوم عليها بالفشل كما يؤكد الباحث المصري عمّار علي حسن. ليس معنى هذا هو التخلي عن الهوية فهذا مستحيل لكنّ المطلوب من كل الاحزاب هو التخلّي عن التعصب الاعمى لهوياتهم والإيمان بتعدد الهويات وتقاطعها والتسامح مع الآخر. إنّ الاخوان قدموا تضحيات جسيمة عبر تاريخهم الممتد لعقود وتعرضوا لحملات التنكيل والتعذيب وملاحقة رموزهم وحرمان حقهم بالمشاركة السياسية لكنّ هذا لا يسوغ لهذه الجماعة اختزال هوية مصر في بعد واحد هو الدينيّ. ولعلّ هذا الوهم الذي حاولت الجماعة تكريسه في الواقع المصري هو ما عجّل بنهاية دولتهم التي لم يكتب لها البقاء سوى عام واحد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية