العدد 2117
الجمعة 01 أغسطس 2014
banner
إلــى أيـــن نحــن ســائـــرون؟ عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الجمعة 01 أغسطس 2014

تأمل العرب الخير الكثير من غياب الدولة العثمانية وتحقيق الاستقلال لجميع الأقطار العربية، ولكن.. تسير الرياح بما لا تشتهي السُفن، فقد استقر الغرب في الخاصرة العربية بعد رحيل العثمانيين وانتهاء دولتهم العلية، لتبقى الأراضي العربية وثرواتها وشعوبها تتقاسمها خرائط سايكس بيكو ذات المفعول المؤبد حتى نهاية ورحيل هذه الأراضي اسمًا ووجودًا؛ وجاء الاستقلال متواليًا للأقطار العربية التي وقعت في أحضان الملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء كثمرة طازجة، وهؤلاء لم يختلف أداؤهم عما سبقوهم، وهي حقيقة.. إذ لم يعد هناك شيء ثابت ولا نهائي راسخ في المنطقة العربية، فالكوارث السياسية والاقتصادية والاستعمارية أوصلتنا إلى استنتاج قاتم السواد، أخذتنا في طريق مجهول، حتى أصبحنا نعرف مستقبلنا الذي لن يختلف عن حاضرنا.
تنتعش دساتيرنا العربية بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وتتجلى فيها مبادئ حقوق الإنسان من بنودها، ولكنها لا تستطيع أن تقف حائلاً بين ما يُصيبنا من مُلمات، ولا تحمينا من المصائب، ونقول دائمًا إن سبب كل ذلك البلاء هو القوى الدولية والإقليمية التي لها اليد الطولى في هذه الأحداث، قد يكون ذلك صحيحًا.. ولكن أين كنا حينما تدخل أولئك في شؤوننا؟ وكيف اخترقوا الجدار العربي الذي لم يكن يومًا قويًا؟ أين كان حُكامنا وجيوشهم وقواتهم المسلحة والأمنية من هذا الاختراق؟ هل نحن غافلون عن ما كان يحدث لنا ولبلادنا؟ أم طأطأنا رأسنا خوفًا من العقاب ومن الموت المؤاب؟ إذا علينا أن لا نلوم غيرنا وننسى أنفسنا؟ أليس صدقًا أننا لا نستطيع التغيير إذا لم نُغير أنفسنا.
نقول إننا نملك الثقل الاقتصادي والمالي، وندعي أن لدينا دبلوماسية طويلة النفس، ونتمتع برؤية ثاقبة، وأن جغرافيتنا ذات أهمية استراتيجية، ونرفع شعار أن الاتحاد قوة، وأن أمتنا خير أمة أخرجت للناس.. وماذا تحقق لنا بعد ذلك؟ أصبحت ثرواتنا تنمي اقتصاديات الدول الأخرى، ونستعين بغيرنا في حل مشاكلنا، ونصبر على أذى الآخرين بما نملكه من إيمان ونبل ومروءة، وجغرافيتنا باسطة أرضها ومياهها لخدمة قوة غيرنا وسيطرتهم علينا، ونحن ممالك وإمارات متفرقة، وأمتنا أصحبت لا حول لها ولا قوة تعصف بها الرياح من كل حدبٍ وصوب. هكذا نحن.. وأجراس العودة صدئت ولن يعود ما استلب منا.
لم يستفد الشعب العربي من أحداثه الربيعية سوى الموت وزيادة التدخلات الأجنبية وتمزيق وحدة الشعب العربي في أقطاره، انقسم الشعب إلى اثنين وثلاثة، والدين الإسلامي إلى أديان ومذاهب وأصبح الأمن والاستقرار الحُلم الذي يتمناه الكل في أقطارهم، لاحتلال العراق وتقسيم السودان وتجييش الحوثيين والحرب الأهلية في الصومال وانطلاق الدواعش وأمراء إسلامهم المُزيف في سوريا والعراق وانقسام الفلسطينيين على أنفسهم فرصة ذهبية للعدو الصهيوني أن يفعل ما فعله في غزة من قتل وتدمير. ليس علينا أن نستنكر أو نشجب، أو نحرق الأعلام الأميركية والصهيونية، أو نجمع الأموال ومختلف المساعدات، كل ذلك لن يوقف العدوان الصهيوني. ومن البلاهة أن نستنجد بالبيت الأبيض وهيئة الأمم المتحدة والغرب لكونهم من آليات اجتثاث وجودنا، وليس من المستحسن أن نركع ونبتهل إلى الله تبارك وتعالى ونطلب منه العون على ما حل لنا من مصائب، {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }، الرعد 11.
إلى أين نحن سائرون بعد أن غرقنا في مستنقع الطائفية؟ وبدلاً من أن تنمي أموالنا أقطارنا العربية ذهبنا بها إلى أسواق السلاح العالمية لنتقاتل فيما بيننا، بدلاً من أن نعلم أولادنا كيف يتعلمون ويصنعون وينتجون أصبحت أقطارنا العربية دكاكين للمنتجات العالمية وبمواد خام وأموال عربية، بدلاً من فتح مراكز الدراسات والبحوث العلمية والشبابية أنشأ البعض مراكز مصادرة الحريات حتى ضاعت ميزانيات الصحة والتعليم والبُنى التحتية. أقطار عربية كثيرة حاربت الديمقراطية باسم الديمقراطية، وكافحت الأمن باسم الأمن، وصادرت سيادة الدولة باجتثاث هويتها. فإلى أين نحن سائرون؟ وكيف ننادي بتحرير فلسطين وباقي الأقطار شأنها شأن فلسطين، وكيف نقرأ تاريخنا الماضي وقد شوهناه بأفعال الحاضر، إلى أين نحن سائرون؟ حفظ الله مملكة البحرين المجيدة وقيادتها الرشيدة وشعبها الكريم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .