العدد 2107
الثلاثاء 22 يوليو 2014
banner
أياماً معدودات أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
الثلاثاء 22 يوليو 2014

هكذا وصف المولى تعالى أيام هذا الشهر الفضيل بأنها أيام معدودات، ولا شك أن دلالة هذا اللفظ تنعكس مع مرور شهر رمضان المبارك كل عام في وجدان أولئك الذين اغتنموا الدقائق قبل الساعات في صيامه وقيامه، وركوعه وسجوده، وصالح الأعمال الفضيلة فيه، فنالوا بفضل ذلك القبول بالرحمة والغفران والعتق من النيران.
تقتضي دلالات الفضيلة في هذه الأيام المعدودات التي تأتي علينا كل عام ثم تمر كمر السحاب الاجتهاد والمثابرة التراكمية التي تقتضي من العبد أن يصل إلى قمة درجات الأداء في عباداته مع اقتراب العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، والتي يقضيها البعض في مضيعة عبثية وعبطية للوقت في التجول في الأسواق لشراء حاجيات العيد، وذلك في بعد كبير عن التخطيط لاستثمار دقائق وساعات هذا الشهر الفضيل الذي يعتبر من مواسم الخيرات التي تتجدد فيها الأنفس مما حاق بها طيلة العام من رجس المعاصي وخبث الآثام.
إنها أيام معدودات تقتضي من العبد الحصيف التقي الورع استثمارها خير استثمار، وذلك كما كان عليه حال السلف الصالح الذين كانوا يتفرغون لقضاء هذه الأيام بعد أن يفرّغوا أنفسهم حتى مما اعتادوا القيام به من دروس علمية مكثفة، ليتفرغوا لقراءة القرآن وتلاوة آياته وتدبره طيلة هذه الأيام، وذلك حتى ذكر عنهم ما ذكر من كثرة الختمات التي يختمونها في هذه الأيام المعدودات عندما يربطون الليل بالنهار عبادة وتبتلاً وقرباً من المولى تعالى.
إن هذه الأيام المعدودات يقضيها البعض في السهر وارتكاب المعاصي، ويقضيها البعض في السهر على تحصيل القربات وممارسة العبادات، خصوصا في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل التي تقيم فيها الكثير من المساجد فعاليات لصلاة القيام حتى الساعات الأولى من الفجر، تلك الساعات التي ينزل فيها المولى تعالى إلى السماء الأولى فيقول جل في علاه: “هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟”.
إن وصف القرآن لهذه الأيام بهذا الوصف هو وصف دقيق يصور لك مشهد مرور هذه الأيام بسرعة كبيرة يغفل خلالها كثير من الناس عن تحصيل القربات، وإن أياماً عظيمة بهذا الوصف كان يتعين قبل قدومها أن يجدول المسلم يومه وليلته هو وأسرته كي ينال من الانشغال بقرب المولى تعالى ما ينال، ونفسك يا عبد الله إن لم تشغلها – في هذه الأيام – بالحق شغلتك بالباطل، وشياطين الإنس لم يهدأ لها بال حتى تنال منك وتحرمك فضيلة الاستغلال الأمثل لهذه الأيام، وذلك بعرض الإغراءات عليك لتنشغل عما يحقق لك استثمار واستغلال هذه الأيام المعدودات، خصوصا مع اقتراب نهاية هذه الأيام، حيث ينشط شياطين الإنس في عروضهم المغرية التي تنسيك ما يقدمه لك ربك من فرصة لتغيير علاقتك به جل في علاه.
إن الذين يقصرون في هذه الأيام هم أولئك القوم الذين تحدث عنهم القرآن بعد وصفهم لأيام رمضان بأنها أيام معدودات، حيث قرر للمريض ولمن كان على سفر رخصة الفطر، وجعل لمن يطيق الصيام إخراج الفدية عن كل يوم، وهذا هو حال أهل الأعذار أن جعل المولى تعالى لهم تسهيلاً حتى لا يكلف عليهم، فكيف يكون حالك في قربك أيها الصحيح في هذه الأيام المعدودة كحال أمثال هؤلاء، فلا تقوم بما يقربك من ربك إلا بمضض ومشقة، ولا تزيد في هذا الشهر الفضيل إلا ارتياداً ومتابعة لشياطين الإنس حتى تنتهي بك هذه الأيام وقد زدت بعداً عن الرحمن وأصبحت في خبر كان.

زبدة القول
لا يمكن بأي حال من الأحوال ونحن نستشعر سرعة مضي هذه الأيام المعدودات إلا أن نكون أكثر تخطيطاً لاستثمار الدقائق قبل الساعات لمزيد من التقرب إلى المولى جل في علاه، ولا شك أن الاجتهاد في هذه الأيام هو ديدن الصالحين ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه... وفقنا المولى تعالى لاستثمار ما تبقى من لحظات هذه الأيام... اللهم آمين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .