العدد 2117
الجمعة 01 أغسطس 2014
banner
المأساة عراقية قبل أن تكون مسيحية د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الجمعة 01 أغسطس 2014

يقدر عدد المسيحيين في العراق اليوم بنحو 300 ألف مسيحي، بنسبة 2 % من عدد السكان، يقطن 25 ألفا منهم مدينة الموصل وما تبقى في بغداد وتلكيف والقوش ودهوك والعمارة، ولا نحبذ وصفهم بالأقلية فهم مواطنون عراقيون واقعا وقانونا، وفيهم نخبة من الأدباء والمثقفين والفنانين والمهندسين والمؤرخين المنصفين، واستوزروا بوزارات سيادية كالخارجية التي شغلها طارق عزيز عشرين سنة، وكان لهم خمسة أعضاء في البرلمان العراقي عام 1920م، فهم عراقيون لهم ما للعراقيين وعليهم ما عليهم، وسبب تناقص عددهم في العشرين سنة الأخيرة إغراء الجمعيات التبشيرية والدول الغربية التي تساعدهم على الهجرة إلى أوروبا وأميركا. مستغلين ظروف الحروب والحصار والأحداث الدامية التي مرت بالعراق ولا احد ينكر أن خلفها دوافع دينية أيضا، وقد زل لسان بوش ذات مرة ونوه بالحرب الصليبية وأحقادها في تفجير برج التجارة العالمية في نيويورك.
تهجير المسيحيين أحد الأحداث الكثيرة التي أحزنتنا واعتصرت قلوبنا ألما لما حل بالعراق كله، المسيحيون جزء منه، فالعرب ولاسيما العراقيون سبق أن رحبوا بالأرمن واحتضنوهم وأكرموهم حينما جاءوا مهاجرين إلى العراق في الحرب العالمية الأولى، ويحثنا القرآن الكريم على برهم: *لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* وقوله تعالى: *لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ*. فحمايتهم ومساعدتهم أمانة في أعناق المسلمين ونشهد لمسيحيي العراق أنهم مسالمون. ولكن الاحتلال الأميركي وتدخلات الدول المجاورة والفتنة بين العرب سنة وشيعة أفرغت العراق من بنيه الغيارى مسلمين ومسيحيين وغيرهم.
داعش هجرت المسيحيين، فما الذي قدمته الحكومة لإسعافهم ومساعدتهم والحفاظ عليهم؟ ما يصيب المسيحيين أصاب كل العراقيين من قتل وتهجير واغتصاب وسجن وتعذيب وخطف وليس المسيحيين فحسب، ورئيس الحكومة على مدى ثماني سنوات هو المسؤول وينبغي أن يقاضى بالمحكمة الجنائية الدولية، وإذا أصيبت كنيسة بتفجير فقد فجرت مئات المساجد والحسينيات وقتل أكثر من مليون عراقي من مختلف الديانات والمذاهب والأعراق، على يد الجنود الأميركيين والأوروبيين، والقاعدة وداعش والميليشيات الموالية للحكومة ولإيران، ولا مسوغ لفرز المسيحيين فرزا متعسفا يسيء إليهم ولا ينفعهم، بل يجعلهم حطبا للفتنة، وليس من مصلحتهم استغلال قضيتهم لتصوير المسلمين أعداء يتربصون بالمسيحيين ويتخذ الموضوع حجة للهجوم على الإسلام والمسلمين، كما نشاهد ونسمع في الإعلام الإقليمي والعالمي، مع أن المأساة واحدة والكارثة شملت الجميع، من يريد أن يحمل الهم الإنساني إعلاميا عليه حمل همّ الجميع عراقيين وسوريين وفلسطينيين وليس همّ المسيحيين حصرا.
وإذا كانت هناك إدانة، فليعرف الغرب أميركا وأوروبا أنهم السبب أيضا، وليدنوا أنفسهم على ما جنته أيديهم، فهم من جلب البلاء والوباء وأرخص دماء العراقيين مسلمين ومسيحيين، الاحتلال جلب القاعدة والإرهاب ومهد لدخول عصابات الحرس الثوري الإيراني، وهم من شجع الاصطفاف العرقي وتقسيم البلد إلى أقاليم، وأسسوا للمحاصصة الطائفية في الدستور، وفرقوا بين السنة والشيعة، وكنا أبعد ما نكون عن ذلك، هم من سهل دخول العملاء والجواسيس والصهاينة إلى البلد لبث التفرقة، وفتح الباب أمام تجارة المخدرات والإيدز والسرطان والأورام الخبيثة والأمية والفقر والجهل وسرقة الأموال والآثار، هم من دمر وما عمر، فحذار من التلاعب بعواطف الناس على وتر الأكاذيب والألاعيب. على الغرب أن يحاسب نفسه أولا، العراقيون لم يقتلوا المسيحيين يوم كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، القتل والخطف والتهجير عدوى من وباء احتلالهم البغيض.
إذا كان تهجير المسيحيين قضية إنسانية فجريمة إبادة المسلمين الروهنجيا في ميانمار ببورما أكبر، ومصيبتهم أعظم، وقصف غزة وتدميرها وقتل أهلها، إبادة جماعية، ومنع المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى تعدِ على حرية الاعتقاد وأداء الطقوس الدينية؟ فلماذا صمت العالم عن هذه الجرائم ولم تقابل بالضجيج الإعلامي الذي قوبل به تهجير المسيحيين؟ لا نُبرئ داعش ولا ندافع عنها، ولكن لا نريدها راية حمراء بيد الغرب والشرق وتركيا وإيران لمصارعة الثور العربي، داعش قتلت عشرات العلماء من المسلمين سنة وشيعة، وهي تقتل السنة في اليمن والسعودية، فلا نجعل من داعش وسيلة للدسيسة الخسيسة ومهاجمة الإسلام والمسلمين، السكوت على جرائم الاحتلال، وتدخل الإيرانيين في الشأن العراقي ومجازر المالكي بقصف المدن، كلها تستوجب الإدانة لو كانوا صادقين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية