العدد 5965
الأربعاء 12 فبراير 2025
خربشة ومغزى.. "الهند أرض لكل عجيب... وفنون جميلة ناطقة في التاريخ القديم"
الأحد 12 يناير 2025

الهند زُبْدَة وخلاصة ناطقة لأدوار تاريخ عريق، وصورة لأطوار متأرجحة بين بدائية وحضارية. آثار دينية وفنية وأدبية فيها، بلغ بعضة نحو ثلاثة آلاف سنة. تَمثَّلت الهند في مخيلة الأمم منبع ثروات، فكانت عُرضة للمغازي الخارجية لاستغلال مواردها وتنعَّم بخيراتها. 
وهي قطر عظيم متنوع الأعراق، والأكثر عددا عالمنا اليوم. معابدها حافلة بأسرار، بعضها داخلة أعماق الجبال ومشتملة على ألوف أصنام حجرية. ولا غرو أن تجد في الهند انغلاق وقليل انفتاح.

الخشب والمعادن والأحجار الكريمة لهم فيها ذوق وخيال صنائع، يدخلها تصوير ونحت وترصيع. المتحف الهندي بلندن ضم كثير من آثار هندوسية وإسلامية مغولية إلى ما يرجع بعض تاريخه إلى القرن الثاني من الميلاد. وفي الهند حذق صناعة الذهب والنحاس والبرونز، والحديد الذي يظهر جلياً في العمود الحديدي الشهير في مسجد قطب القديم بدلهي.

أما صناعة التكفيت وترصيع المعادن وتلبيسها تم مزاولتها في الهند بإتقان ليس له مثيل في الأزمنة القديمة. وبالمثل صناعة الحُلي وملائمته للذوق، وكذلك صناعة الزجاج والنحت على الحجارة الكريمة والعاج والأسلحة الفولاذية فهي غنية بزخُرفها وجمال تركيبها. لا بد من الإشارة أن الهند انتحلت بمهارة جميع صنائع الأمم الفاتحة للهند وحولوها بطريقتهم سواء من فارس والإغريق والمسلمين، بل حتى أوربا. مثلاً صناعة ترصيع الرخام الأبيض التي هي من أصل إيطالي أضاف الهنود لها الحجارة الثمينة كالزبرجد والفيروز والعقيق واللازورد، وبلغت هذه الصناعة درجة رفيعة أيام حكم المغول في منطقة "أغرا". والهند تصنع النُّسُج الحريرية، والبُسُط والشالات بإتقان لم يستطع الغرب أن يصنع مثله الا بمشقة. وكذلك فن العمارة للعمود الإغريقي الذي اقتبسه متفننو الهند أزالوا عنه صفته الإغريقية متحولا إلى عمود هندوسي، وذلك بتجريده من صفته الغربية بتجسيم بعض الأجزاء وزيادة زخارف خاصه من فنهم.

والزخرف الهندي يتصف بزيادة المبالغة، وفَرَّط الغُلُوِّ في الجزئيات التي هي أبرز ما تشاهده في آثارهم الأدبية والدينية والفلسفية. والمرء إذا ما درس فنون الهندوس أدرك درجة علائق آثار التعدد العرقي الشاخص بتلاوين الأمزجة. وهذا تراه متمثلاً في نقوش المعابد والتماثيل. هكذا ظلت الهند أغنى بلاد العالم آلافا من السنين وازدهرت فيها الفنون على الدوام مهما كان نوع الفتن التي حرَّكتها. 

وما فتِئت الأمم تبحث منذ أقدم أدوار التاريخ عن أدوات الهند الفنية وحليّها ونسائجها، ولا غلو إذا قيل إن مال الدنيا تحول اليها في القديم. هذا التميز انعكس في تشييد المباني، والقصور، والنفائس، والفنون. فالنحت أُتخذ اداة زينة في ألوف المعابد والمزارات فترى الصدور والأوراك في تماثيل النساء نامية لا تراه في الطبيعة، وترى الآلهة ذات الأذرع الأربع. واحياناً يُخيل للناظر أنها توشك أن تتقدم نحوه من قواعدها لحيوِيَّة فنها.

هذه الآثار هي وليدة ماض يتوارى مُقدرا في ضباب الاجيال. والإنسان الحاضر يدهش، ولا مفر من أن يحترم تلك الفنون التي تضمنت خيال قوي سحري. فالمحاريب الصامتة، والتماثيل الطاعنة في السِّنِّ، والنقوش البارزة الصائرة إلى الخراب بتغول المنتهكين للآثار، هي وثائق ماضٍ لا يُنسى.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية