+A
A-

مكانة خاصة للبحرين في قلب الفقيد

7 عقود من الخير والعطاء والإنسانية؛ تجسد المسيرة المشرفة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، رحمه الله، قدم سموه خلالها أنموذجاً في الإخلاص لوطنه وشعبه والحرص على نهضته ورخائه وتقدمه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وضرب أروع الأمثلة في الأمانة والوفاء والانتماء لقضايا أمته العربية والإسلامية، والعمل على وحدتها واستقرارها وازدهارها، وبصماته المؤثرة في دعم الأمن والسلم الإقليمي والدولي وخدمة الإنسانية.

أمير الحكمة والإنسانية والسلام؛ أحد القادة المؤثرين في مسيرة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخليجية والعربية والدولية، بفضل نشأته التي أكسبته خبرات مبكرة ورؤية ثاقبة في العمل الدبلوماسي والسياسة الداخلية، فهو الابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح، الحاكم العاشر للكويت، وُلد في 16 يونيو 1929، ما أكسبه مهارات قيادية ودراية عالية بشؤون السياسة والحكم والعلاقات الدولية، وقدرات إبداعية في إدارة الأزمات وإحداث التحولات الإيجابية في ظل ارتباطه الوثيق والمؤثر بالتاريخ العريق لدولة الكويت ما قبل الاستقلال وبعد التحرير وفي جميع مراحل بناء الدولة الحديثة، ليستحق معها ثقة العائلة الحاكمة وحب وتقدير الشعب الكويتي بمبايعته أميرًا للبلاد في يناير 2006.

بدأ سمو الشيخ صباح الأحمد المشاركة الفاعلة في العمل السياسي والحياة العامة منذ 66 عامًا، وتحديدًا بتعيينه عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا المعنية بتنظيم المصالح والدوائر الحكومية الرئيسة في 19 يوليو 1954، وتوليه في العام التالي مسؤولية رئاسة دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، إضافة إلى دائرة المطبوعات والنشر، أسهم خلالها في وضع أسس ومقومات النهوض بالصحافة والإعلام والطباعة والنشر والحراك الثقافي والفني، بإنشاء أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956، والمطبعة الحكومية عام 1957، وإصدار الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” ومجلة “العربي” وقانون المطبوعات والنشر، وكتابة التاريخ الوطني وإحياء التراث العربي ونشر الكتب والمخطوطات القديمة.

وكان له دوره المحوري كعضو في المجلس التأسيسي لوضع دستور دولة الكويت بعد الاستقلال في 19 يونيو 1961، وكان أول وزير للإعلام (وزارة الإرشاد والأنباء سابقًا) في أول تشكيل وزاري عام 1962، قبل توليه المسؤولية عن وضع أسس ومبادئ السياسة الخارجية الكويتية بتعيينه وزيرًا للخارجية بعد تشكيل مجلس الأمة (البرلمان) في عام 1963.

مهندس السياسة الخارجية وعميد الدبلوماسية

على مدى 40 عامًا، شارك “عميد الدبلوماسية الكويتية والعربية” سمو الشيخ صباح الأحمد في محطات تاريخية وطنية وإقليمية ودولية بارزة، منذ تحمله أمانة رفع أول علم للكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضوًا في المنظمة الدولية في 11 مايو 1963، ونجاحه في بناء علاقات إيجابية للدولة خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا على أسس من الود والاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إلى جانب جدارته بتولي العديد من المناصب الرسمية الأخرى، إضافة إلى مسؤوليته عن وزارة الخارجية، بتعيينه وزيرًا للمالية والنفط، ووزيرًا للإعلام خلال الفترة من (1971-1975) وعامي 1981-1982، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء أعوام 1978 و(1985-1992)، ومباشرة دوره الوطني التاريخي المشرف في حشد الدعم الدولي، دبلوماسيًا وعسكريًا وشعبيًا، لمساندة الشرعية الكويتية في أغسطس 1990 وتحرير الكويت 1991، إضافة إلى توليه منصب النائب أول لرئيس مجلس الوزراء في أكتوبر 1992، ثم مسؤولاً عن تشكيل الحكومة في فبراير 2001، قبل توليه رسميًا رئاسة مجلس الوزراء في 13 يوليو 2003.

قيادة حكيمة.. وإنجازات شاملة

شكَّل يوم 29 يناير 2006 حدثًا تاريخيًا فارقًا في مسيرة دولة الكويت الحديثة بتولي صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في البلاد، ليصبح الحاكم الخامس عشر للبلاد، والأمير الخامس في مسيرة الدولة الدستورية.

وكان صاحب السمو صادقًا ووفيًا في أولى كلماته السامية إلى الشعب الكويتي، وجديرًا بحمل الأمانة وتولي المسؤولية والعمل من أجل الكويت وشعبها، بدعوته للجميع إلى “العمل من أجل جعل الكويت دولة عصرية حديثة مزودة بالعلم والمعرفة يسودها التعاون والإخاء والمحبة بين سكانها، ويتمتعون جميعهم بالمساواة في الحقوق والواجبات والمحافظة على الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير، ولا فرق بين رجال ونساء فهم جميعًا سواسية أمام القانون وعلى كاهلهم تقع مسئولية خدمة الوطن والنهوض به”، مؤكدًا سموه إن “الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا .. وليس هناك حب أعظم من حب الكويت، الأرض العزيزة التي عشنا على ثراها وسطرنا عليها تاريخنا وأمجادنا ومنجزاتنا”، في إطار التمسك بالقيم الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة.

وعلى مدى أكثر من 14 عامًا، شهدت دولة الكويت بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح نهضة تنموية على مختلف الأصعدة، في إطار حرص سموه الدائم على ترسيخ النهج الديمقراطي والشرعية الدستورية والتعاون الإيجابي المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، ونبذ التحزب والأهواء الطائفية والقبلية والفئوية الضيقة، ودعم الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز مسيرة التنمية المستدامة والمتوازنة، وإنشاء هيئات عامة للانتخابات ومكافحة الفساد، وتأكيد احترام الدستور والوحدة الوطنية، لتبقى الكويت دائمًا هي الرابح الأول والأكبر “كويت العز والكرامة .. كويت الحب والوفاء .. كويت الكرم والعطاء”.

وأولى سموه اهتمامًا كبيرًا بدعم القطاع الخاص ودوره في التنمية الاقتصادية، بما يسهم في جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتنويع مصادر الدخل، وافتتح العديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العملاقة، من أبرزها: مدينة “صباح الأحمد البحرية” كأول مدينة ينفذها القطاع الخاص بالكامل، و”مركز عبدالله السالم الثقافي” ومركز “جابر الأحمد الثقافي” (دار الأوبرا)، و”مدينة الكويت لرياضة المحركات” وإستاد جابر الرياضي، و”مدينة الجهراء الطبية” و”مستشفى جابر الأحمد”، سادس أكبر مستشفى في العالم، ومركز “سلوى صباح الأحمد الصباح” للخلايا الجذعية، و”مبنى الركاب الجديد رقم 4” في مطار الكويت الدولي، و”جسر الشيخ جابر” رابع أطول جسر بحري في العالم، والعديد من الجسور والطرق والموانئ، ومتحف (قصر السلام)، وغيرها من المشاريع التنموية كمشروع (مصفاة الزور)، والمدن الإسكانية الجديدة كمدينة المطلاع، ومشروع مدينة صباح السالم الجامعية، وتحويل البلاد لمركز مالي وتجاري إقليمي ودولي في ضوء رؤية (كويت جديدة 2035).

وأثبت سموه وأكد أن “العلم والمعرفة هما أساس بناء الإنسان الكويتي، الذي هو ثروة الوطن الحقيقية، والتي لا تعادلها ثروة، وعدَّتَهُ لمستقبلٍ واعدٍ بإذن الله تعالى”، حريصًا سموه على إحداث نقلة نوعية في النظام التعليمي، وبناء نموذج تعليمي نشط ومتميز، مبنيٌ على التفكير والإبداع، والتفاعل، واكتساب المهارات والخبرات، ومواكب للتطور العلمي والتقني في عصر الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة، حيث وجه سموه إلى تنفيذ مشاريع تعليمية وجامعية جديدة، منها: جامعة الشدادية، ودعم إنشاء المدراس ومراكز البحث العلمي، وإنشاء مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع في مايو 2010، وتشجيع التبادل الثقافي والحضاري والبعثات العلمية إلى الخارج.

وأولى سموه رحمه الله عناية خاصة بقضايا المرأة وحقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية، وتحقيقها إنجازات تاريخية خلال عهده الميمون، تمثلت في نجاح أربع سيدات في انتخابات مجلس الأمة لعام 2009، وحضورها المؤثر في دوائر صنع القرار ومناصب وزارية مهمة، ودخولها لأول مرة مجال الخدمة الشرطية النسائية، وترقية 8 وكيلات نيابة إلى رتبة قاضيات للمرة الأولى في تاريخ البلاد في 30 يونيو 2020، وارتفاع نسبة المرأة في المناصب القيادية إلى 15% في القطاع العام، و18% في القطاع الخاص، وتمكينها سياسيًا واقتصاديًا وفق خطة التنمية الوطنية 2015-2020، وإقرار تشريعات عصرية لصون حقوقها مثل: قانون محكمة الأسرة، وقانون إنشاء صندوق دعم الأسرة لسنة 2015، بعد تمرير سموه لدى ترؤسه مجلس الوزراء لقانون حقوق المرأة السياسية في مجلس الأمة عام 2005، وتعيينه لأول وزيرة كويتية.

تعزيز العلاقات الأخوية التاريخية مع البحرين

لمملكة البحرين مكانة خاصة في قلب صاحب السمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، في إطار حرص سموه الدائم على توثيق العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين الشقيقين على قواعد راسخة من المحبة ‏والتفاهم والاحترام المتبادل في ظل ما يجمعهما من أواصر الدم والنسب ووشائج القربى، وتقارب جغرافي وحضاري، ووحدة دينية وثقافية، ومصالح مشتركة ازدادت نموًا ورسوخًا في عهد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وأخيه سمو الأمير صباح الأحمد.

ودائما ما تؤكد مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك تقديرها للمواقف الكويتية الأصيلة بقيادة سمو الأمير صباح الأحمد والداعمة لأمنها واستقرارها، ونهضتها التنموية والعمرانية، ومساعيه الدؤوبة لتطوير المنظومة الخليجية وتعزيز العمل العربي المشترك وخدمة قضايا الأمة والدفاع عن مصالحها، منذ مواقف سموه التاريخية في الدفاع عن عروبة البحرين في مواجهة المزاعم الإيرانية، والتي انتهت بإجراء استفتاء شعبي وتأكيد استقلال البحرين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة عام 1971.

وشهدت العلاقات البحرينية الكويتية تقدمًا ملموسًا كأنموذج في العمل العربي المشترك، واكتسبت دفعة إيجابية بإنشاء اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين حكومتي البلدين الشقيقين في عام 2001، بموجب الاتفاقية التي وقعها عن الجانب الكويتي سمو الشيخ صباح الأحمد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية آنذاك، وتوقيع العديد من الاتفاقيات للتعاون الدبلوماسي والقنصلي والثقافي والسياحي والجوي، إلى جانب الاتفاقيات الموقعة في إطار مجلس التعاون الخليجي، ما انعكس على زيادة الاستثمارات الكويتية المباشرة في البحرين إلى 2.25 مليار دولار، وارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 383 مليون دولار عام 2019.

وكانت البحرين من أوائل الدول التي قام سموه رحمه الله بزيارتها في مارس 2006، وبعد توليه مقاليد الحكم ضمن جولة خليجية أكد خلالها حرصه على تعزيز العلاقات الخليجية الأخوية المتميزة، ولا تنسى المملكة مواقف سمو الأمير المشرفة في الوقوف إلى جانب أمنها واستقرارها.

دبلوماسية حكيمة ومتوازنة وفاعلة

على الصعيد الخارجي، واصل سمو أمير الكويت مبادراته الدبلوماسية الحكيمة والمتزنة والعقلانية في نشر السلام والمصالحة وحل الخلافات والنزاعات الإقليمية والدولية، وتقديم المساعدات التنموية والإغاثية للدول والشعوب المنكوبة، ورعايته للمؤتمرات الدولية لدعم الوضع الإنساني في سوريا، وإعادة إعمار العراق، وحرصه الدائم على وحدة الصف الخليجي وتعزيز العمل العربي المشترك، ليستحق سموه تكريمه واختياره من منظمة الأمم المتحدة “قائدًا للعمل الإنساني” في سبتمبر 2014، والكويت “مركزا للعمل الإنساني”، واكتسابه مكانة مرموقة في المحافل الإقليمية والدولية. ويذكر التاريخ كيف أسهم سموه بحكمته وحنكته في إنهاء العديد من الأزمات، ووساطته لحل العديد من الخلافات الإقليمية والدولية، ونجاحه في إقامة علاقات طيبة ومتوازنة لدولة الكويت مع مختلف دول العالم، بسبب خطابه المعتدل، ونهجه الدبلوماسي الحكيم، واضعًا في مقدمة أولوياته دفع مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتوحيد الكلمة والصف العربي، وتعزيز التضامن الإسلامي، ونصرة القضايا العربية والإسلامية العادلة.

قائد العمل الإنساني الدولي .. وأوسمة دولية مستحقة

حرص سمو أمير الكويت على مد يد العون والمساعدة للدول الشقيقة والصديقة والمحتاجة بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون، وتعزيز مكانة الكويت كمركز للعمل الإنساني الخيري، وتدعيم دور الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في تقديم القروض الميسرة، والتي بلغت قيمتها منذ إنشائه عام 1961، أكثر من 22 مليار دولار أمريكي، استفادت منها 107 دولة، منها 16 دولة عربية، وبما يعادل 1.2% من الدخل القومي الإجمالي، وهو ما يفوق النسبة المحددة من الأمم المتحدة للدول المتقدمة، هذا إلى تقديم مساعدات فنية بقيمة تتجاوز المليار دولار، وأكثر من 80 منحة حكومية للدول والمؤسسات بقيمة 7.6 مليارات دولار حتى عام 2020، أغلبها للدول العربية بنسبة تتجاوز 97%.

واستضافت الكويت للمؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا لثلاث دورات متتالية وتبرعت بملايين الدولارات لإغاثة اللاجئين السوريين، فضلاً عن تبرعها في يناير 2009 بمبلغ 34 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ودعم السلطة الفلسطينية بمبلغ 200 مليون دولار ضمن برنامج إعادة إعمار غزة.