دشّنت إسرائيل اللحظة المحورية التي لطالما استعدت لها منذ سنوات، بضرب عمق إيران، في هجوم غير مسبوق من حيث الحجم والدقة واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. الهجوم الإسرائيلي المفاجئ جاء مبنيًّا على ثلاثة محاور رئيسة: استهداف الأصول والقدرات العسكرية الإيرانية لتعطيل أي رد محتمل وتقويض العمليات الدفاعية، علاوة على اغتيال كبار المسؤولين العسكريين وعلماء الذرة، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالمنشآت النووية.
ورغم أن الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم النتائج النهائية للهجوم، فإن النمط العملياتي لإسرائيل يعيد إلى الأذهان تكتيكاتها في ضرب حزب الله اللبناني خلال سبتمبر الماضي، حين كانت الغاية ليست فقط تقويض القدرات العسكرية ودرء المخاطر عنها، بل كسر الروح القتالية وتعطيل فعالية الردع لدى الخصم وهذا ما حدث اليوم. وفي الحالة الإيرانية، فإن ما يزيد من خطورة الموقف هو الاستمرار الإسرائيلي بضرب بنك أهداف لم يغلق حتى الساعة، وهو ما قوبل بقصف إيراني مكثف بالصواريخ البالستية، ما يشير إلى أن المواجهة قد تستمر لفترة أطول من أسبوع، وهذا ربما يحفز إسرائيل للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.
النجاح الإسرائيلي في الضربات المدعومة باختراق داخلي محكم من جانب الموساد، بالإضافة إلى سقوط قتلى في الجبهة الداخلية جراء الانتقام الإيراني، ربما يدفع الدولة العبرية وخلفها الولايات المتحدة إلى محاولة اغتيال شخصيات رفيعة المستوى في طهران، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ويفتح الشهية نحو إسقاط النظام، إن لم يكن هناك رد رادع من الجانب الإيراني يغير موازين القوى.
هذا المنزلق الخطير الذي تجنبته واشنطن والقوى الكبرى على مدى 46 عامًا منذ نجاح الثورة الإيرانية، أضحى على الطاولة بجدية في ظل تصدع التوازنات الإقليمية وجرأة إسرائيل المتزايدة.
كما أن الهجوم من شأنه زرع الفوضى داخل الجمهورية الإسلامية من خلال تأجيج انتفاضات داخلية تكون جزءًا لا يتجزأ من هذه الحرب المعقدة، وهو ما تحدث فيه فعليًّا رئيس الوزراء الإسرائيلي في تدوينة على منصة “إكس” باللغة الفارسية وجهها للشعب الإيراني.
بالتوازي مع ذلك، تعيش إيران لحظة حرجة، فقد كُشفت على المستوى الأمني والاستخباراتي، بعد سلسلة من الاختراقات المدمرة، وهي تدرك أن عدم الرد الحاسم سيكلفها كثيرًا على صعيد الردع والمكانة الإقليمية.
الأمر المؤكد أن إسرائيل لم تكن لتجرؤ على تنفيذ هجوم بهذا الحجم والدقة لولا وجود ضوء أخضر أميركي، وربما يكون ضمن ترتيبات استراتيجية أوسع تتعلق بإعادة ضبط قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بعد تقارب طهران مع بعض العواصم العربية.
وإلى ذلك، تبقى جميع الاحتمالات في المنطقة مفتوحة على مصراعيها، بما يشمل حربا قد لا تبقي ولا تذر، في ظل تطور المشهد إلى مرحلة يرى فيها الطرفان أن الصراع بات وجوديًا يجب إنهاؤه بانتصار صريح لأحدهما.
ملحوظة: هذا المقال كتب في صباح السبت 14 يونيو 2025.
كاتب بحريني