نفاجأ في بعض الأحيان بأن بعض المواقف والكتابات الصادرة عن أناس يفترض بهم العلم والاطلاع والحصافة وبناء الموقف على المعلومات الصحيحة الموثوقة، نفاجأ بهم - مع ذلك - يخبطون خبطًا عشوائيًّا في الصحراء، يبنون مواقفهم وآراءهم وتحليلاتهم على “طراطيش كلام” من دون معرفة أو اطلاع، فالتدقيق والتمحيص كلاهما يتطلب جهدًا جهيدًا وكدحًا وبحثًا، وقراءة وتدقيقًا، وقد تكون النتيجة بعد ذلك بما يتعارض مع الهوى والقناعات.
هناك من يخبط يمينًا وشمالًا ويبني مواقف كاملة على أشباه معلومات يفترض صحتها من دون مراجعة أو تمحيص، وإذا كانت مثل هذه المواقف تدعو إلى الاستغراب وتعرض صاحبها للسخرية، وتوقعه في الحرج أمام الناس، فإن هناك نوعًا آخر من الكتابات والتصريحات والمواقف التي تنهض من حيث النية ليس على الوقائع الصحيحة، بل على نية الوقيعة، للإيقاع بالآخرين، أو للبحث في ثنايا الهوامش عن هوامش لبناء مواقف معادية بنية العداء. وكل وفي اللحظة ذاتها، وفي اليوم نفسه، قد تأتيهم المعلومات الصحيحة بما يتعذّر الاختلاف حولها وفيها، ومع ذلك لا يعتذرون ولا يتراجعون عن ما تورطوا فيه من ترهات، وتلك ورطة أخرى.
إن تحريف الحقائق أو لي عنقها بالتحريف والتأويل تحت تأثير الدوافع الشخصية والعصبية، عمل لا أخلاقي، واستخفاف بعقول الناس. والأخطر أن مثل هذه الأفعال قد تنتقل إلى الفكر والتاريخ والذاكرة الجماعيةفيبدأ التحريف والتشويه وكأنه فعل معقلن قائم على البحث والتدقيق، وهو ليس كذلك، حيث يستهدف الأجيال الجديدة وتشكل ذاكرتها، وبناء قيم ورؤى قد تؤدي إلى الانزلاق إلى الهاوية. فلكم تقاتلت قبائل وشعوب وأمم، بسبب الاختلاف حول تأويل ماضيها الذي كان موهوبًا للزيف منذ اللحظات الأولى لتدوينه، وتزييف التاريخ ليس مكسبًا تهفو إليه العقول الحصيفة، بل حرفة دأبت البشرية على توارثها جيلًا بعد جيل، مثلما توارثت وتناقلت حرفة الكذب والنبش والتزييف من أجل الشهوة والسلطان والمال. لكن أقسى ما في هذا الأمر انخراط المثقف، (عن وعي أو عن غير وعي) في التزييف والتحريف والترويج للأوهام، باسم الرأي أحيانًا، وباسم الدين والحزب أو الجماعة أحيانًا أخرى، وباسم الانحياز إلى الأنانية والمصالح الذاتية أحيانًا! وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني