العدد 6088
الأحد 15 يونيو 2025
banner
قضاءُ الحوائج!
الأحد 15 يونيو 2025

عَقِبَ صلاة الجمعة، قال: كنتُ عن يمين رجل فسلّم عليّ، وسألني: هل لك حاجة فأقضيها لك؟ فاحمرّ وجهي خجلًا، فأعطاني ما طلبت حتى تهلّل وجهي فرحًا بالبُشر ودعيت له! فسألته: مَنْ أنتَ؟ فأجابني: أنا أُستاذ جامعي. فقلت له: وهل تفعل ذلك بعد كل صلاة جمعة؟ فأجابني: نعم؛ ﻷنّ ما أنا فيه بسبب تلك الالتفاتة! فأنا كنتُ أصلي في مسجد قريب من الجامعة، وكان الحزن باديًّا عليّ، وكان ذلك بسبب وفاة والدي المُعيل. فالتفت نحوي رجل كان يصلي بجانبي، وسألني: هل لكَ حاجة يا بُنيّ؟ فتوسمت الخير في وجهه، وقلت: نعم، أحتاج أنْ أسدّد أقساط الجامعة. فردّ عليّ بالإيجاب، وتكفّل بدفع رسوم دراستي إلى أنْ تخرجت. فسألته: وكيف أردّ لك الجميل؟ فأجاب: أنْ تعمل كما عملت، فتكون قد رددتَ لي الجميل.
ولا مناص أنّ قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم من سُنن سيد الخلق (ص) في قولها وفعلها، كما هي من شمائله المباركة قبل البعثة الشريفة التي يصل بها الرّحم ويتحمل الكلّ ويُكسب المعدوم ويُقري الضيف ويُعين الحقّ في تمام من الرحمة وكمال عن الوجود وسعي إلى الخير وحُسن الخلق وجميل الصفات - وفق ما نُقل عن أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد (ع) - وسط شواهد كثيرة على تفريج الكُرَبِ وتيسير المُعسر وستر المسلم وعون العبد وإفطار الصائم وكفل اليتيم وإدخال السرور وقضاء الدّين وطرد الجوع وستر العورة وكظم الغيظ، فضلًا عن انشراح الصدر وإزالة الذل ومعاودة المرضى وشَهْدِ الجنائز وترك الإفضال على الإخوان.


نافلة: 
مِنْ جميل ما ورد في قضاء حوائج الناس ما قاله الصحابي الجليل حكيم بن حزام بن خويلد (ر): “إذا أصبحتُ وليس ببابي صاحبُ حاجةٍ، علِمتُ أنّها من المصائب”، ما يؤكد فضل هذه العبادة العظيمة – من منطلق أنّ الجهل بالفضائل من أقبح الرذائل كما ورد عن  الإمام علي بن أبي طالب (ع) - في تيسير أمور الآخرين وجلب رضا الجبّار في صياغة أنموذج فريد للإيثار الجليل والتضحية الباذلة في أسمى المرامي التي تنفعهم في أُخراهم، وأجلّ الأعمال التي تُزكيهم في دُنياهم على سبيل صنائع ‌المعروف بما تُعمّقه من أواصر الأخوّة في حقول الخير وأعمال البرّ وقضاء الحاجات، وما تُيسرّه من أمور تفقُّد الأحوال وإيصال المنافع وإعانة حَوْل الملهوفين ورفع رصيد الحسنات، بما ينشر عبق المحبة والوداد والصالح المُتعدي إلى أفراد المجتمع وتأليف قلوبهم ببعضها.

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .