في عالمنا الواسع الذي “يُتْخَم” يوميًّا بالمعلومات الضخمة وسط أجواء تسودها ثقافة الضغط الهائل على الأدمغة البشرية التي ليس بمقدورها الاحتفاظ بأكبر قدر من المعلومات؛ يُعبّر النفسانيون عنه بالحالة المرضية التي قد تكون دائمة أو مؤقتة (وبالطبع ليست بالخَرَف) حين تنعدم القدرة على تذكر هذا الكم من المعلومات أو الخبرات المتنوعة الواقعة تحت المؤثر “التراجعي” الناتج عن تعاطي المخدرات أو تناول المهدّئات، أو من التفاعل “العابر” الذي يستمر لـ (30 - 60) دقيقة وحتى (12) ساعة للمصابين بالصرع أو الشقيقة، أو من المنعطف “الثابت” الذي ينتج عن التهابات الدماغ أو احتباس الدم، وقد يكون في حالاته الأخرى تحت خط “التزايد” الخطير المؤدي إلى الزهايمر، وما يصاحبه من العامل “المفتعل” و”التفارقي” الذي يتعرض فيه الأشخاص للصدمات الانفعالية القوية التي تنسيهم كلّ الأحداث الماضية.
إنّها دونما ريب (آفة) النّسيان وفقدان الذاكرة التي يعجز فيها المرء عن استعادة معلوماته ومعارفه التي اكتسبها، بل ويخفق في استرجاع أفكاره وخبراته التي سبق أنْ تعلَّمها في وقت سابق من حياته وفق تنظير أولئك النفسانيين المرتكز على “عدم الاستعمال” الذي قد يوُهَنُ ويضمر، إلى أنْ يتلاشى أثرها في الدماغ البشري، كحال العضو في جسم الإنسان الذي إذا ما تُرك دون استعمال مدّةً من الزمن.
وتمحور ذلك على “الكبت” الذي تُستبعد فيه الحوادث المؤلمة والذكريات الحزينة والهروب من ساحة الوعي إلى منطقة اللاوعي، فيما يزيد “التداخل والتعطيل” فيها إلى اختلاط الأفكار والخبرات والمهارات وتشابكها مع بعضها؛ ما يؤدي إلى ضياعها بفعل ذلك التّباعد ووصولها لحالة ما يُسمى “إخفاق الاسترجاع” الذي قد يحدث في حالات التخدير والتنويم المغناطيسي وتحريض الدماغ بالكهرباء.
نافلة:
بات ما يُعرف بـ “هفوات الذاكرة” جزءًا أساسيًّا من يومياتنا، بل ضرورة مهمة من ضرورات حياتنا أفرادًا أو جماعات في إسهامها في خفض مستوى الضوضاء الذي تعجّ به رؤوسنا وتُفْسِح فيه لأدمغتنا العمل السليم وتُعززّ من قدراتنا على التكيف مع الجديد من المعلومات، وهذا ما يُفسرّ سبب حدوثها بشكل أكثر تكرارًا مع تقادم العمر وتراكم الذكريات التي يضطر فيها الدماغ البشري إلى فرز المزيد من المعلومات لتذكر شيء ما؛ نتيجة انعدام الانتباه الكافي الذي تتلاشى فيه المعلومات بمرور الوقت، وإلى آلية فرز الذكريات التلقائية في ذلك الدماغ، بعد شكاوى الكثيرين نسيانهم الدائم الذي تتخلّص فيه عقولهم من المعلومات غير المستخدمة و”كنس” التجارب المؤلمة والصدمات الموجعة في سبيل استئناف الحياة الجميلة والحلم الأجمل.
كاتب وأكاديمي بحريني