دشّن سعادة السيد عبدالنبي الشعلة، بمقر غرفة تجارة وصناعة البحرين الحالي، صباح يوم الثلاثاء الموافق 13 مايو 2025، كتابه القيّم بعنوان “من نافذة الغرفة: محطات اقتصادية يرويها عبدالنبي الشعلة”، الذي يوثّق من خلاله محطات تاريخية للغرفة العريقة، التي تكاد أن تتجاوز 115 عامًا بشكل غير رسمي، منذ بداية أول اجتماع لمجموعة من التجار في العام 1910، و86 عامًا بشكل رسمي منذ نشأتها في العام 1939.
وتُعد الغرفة أول غرفة تجارة في دول الخليج العربية، وقد أدت دورًا بارزًا في تشكيل الاقتصاد الوطني للبحرين وخلق قطاع خاص قوي، حيث يتم انتخاب أعضاء إدارتها مباشرة من قبل الناخبين من التجار؛ لتمثيل مصالح القطاع الخاص والدفاع عنها، إضافةً إلى دعم وحماية مصالح مجتمع الأعمال في البلاد من تجار ومواطنين ومقيمين. كما تتولى الغرفة إبداء المواقف في القضايا الاقتصادية والتجارية وتنسيق الجهود بين رجال الأعمال والجهات الحكومية. وقد واكبت الغرفة جميع مراحل النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي التي مرت بها البحرين، لاسيما في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين المعظم، وحكومته الرشيدة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
وحضر حفل التدشين معالي رئيس مجلس الشورى السيد علي بن صالح الصالح، ووزير الصناعة والتجارة سعادة السيد عبدالله بن عادل فخرو، ورئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين سعادة السيد سمير بن عبدالله ناس، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة، ووجهاء وشخصيات اقتصادية وتجارية وصحافية وثقافية بارزة.
يوثّق الكتاب تجربة الأستاذ الشعلة التي امتدت لأكثر من 12 عامًا داخل أروقة الغرفة، منذ انتخابه كأصغر عضو حاز على أعلى الأصوات في انتخابات مجلس الإدارة بالعام 1983. وقد استعرض الشعلة خلالها محطات حاسمة في تاريخ الحركة التجارية البحرينية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية. وقد أجمع المتحدثون على أهمية الكتاب، باعتباره إضافة نوعية للمكتبة البحرينية والخليجية، ومرجعًا للأجيال الجديدة من رجال وسيدات الأعمال، حيث يمثل شهادة حيّة على مرحلة مهمة في تاريخ البحرين والغرفة، التي جسّدت فيها قيم الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع. فليست تجربة الشعلة سيرة ذاتية فقط، بل مرآة صادقة تعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التي عاشتها البحرين خاصة، ودول المنطقة عامة، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وقد أظهر الحضور المتميز الاهتمام بالكتاب ومكانة الشعلة؛ ما يؤكد الحاجة لمثل هذه الكتب التوثيقية. فقد رصد الشعلة التطورات والتحديات والتحولات والمنعطفات التي مرّت على البحرين ودول المنطقة خلال الفترة التي كان فيها عضوًا في مجلس الإدارة، بعد أن كان قبلها عضوًا في بعض لجان الغرفة. وقد تناول بالتفصيل الأحداث التي عصفت بالمنطقة، في فترة امتدت بين العامين 1983 و1995، وهي مرحلة مشحونة بالتحولات المهمة.
ومن حسن حظي أنني عاصرت الأستاذ الشعلة منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فقد كان شخصًا يتعامل مع الآخرين بكل احترام وتواضع ومحبة، وبابتسامة لا تفارق محيّاه، خلال مختلف مراحل حياته الشخصية والعامة والعملية، التي عاصرها كموظف في وزارة الخارجية، ورجل أعمال عصامي، وعضو في غرفة تجارة وصناعة البحرين، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية في الفترة 1995 - 2002، ووزير دولة برئاسة مجلس الوزراء في الفترة 2002 - 2005، وبعدها رئيسا لمجلس إدارة شركة الفنار للاستثمار القابضة، ورئيسا لمجلس إدارة صحيفة “البلاد”، وكاتبا ومحللا.
كان الشعلة شعلة من النشاط والعمل الدؤوب أثناء حملته الانتخابية، حيث عمل بجد واجتهاد، ومن دون كلل؛ لتعريف الناس ببرنامجه الانتخابي المكتوب، وكان يرحب بالناخبين ويجلس معهم على الطاولة المظللة، ويقدّم “القدوع” في موقف السيارات الخارجي لمبنى الغرفة السابق.
لقد سعدت بقراءة الكتاب واستفدت كثيرًا من المعلومات القيمة التي ذكرها وعاصرها الشعلة، والتي قام بصياغتها الكاتب والصحفي الأستاذ غسان الشهابي بأسلوب سلس ومبتكر. فقد مزج بين ما يرويه الشعلة من أحداث بصيغة مكتوبة بالخط العريض، وبين ما كتبه الشهابي بالخط العادي، مع توثيق الأحداث عبر ما ورد عنها في أرشيف الصحف والمجلات المحلية، بالإضافة إلى الاستعانة بأرشيف الغرفة. وهو ما جعل من الكتاب مرجعًا وثائقيًا موثوقًا يعتمد عليه المهتمون بتاريخ الغرفة وأعمالها وإنجازاتها، وكذلك بالأحداث التي واكبت البحرين ودول المنطقة.
ولكن ما لفت انتباهي منذ البداية وأثار استغرابي هو عنوان الكتاب وصورة مبنى الغرفة السابق، الذي يُعتبر أول مقر تملكه الغرفة، وقد افتُتح من قبل المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الموقر في ذلك الوقت، في موقع مميز يطل على شارع الملك فيصل وفرضة المنامة، التي كانت ما تزال تعمل ولو بشكل جزئي حتى بعد افتتاح جسر الملك فهد في نوفمبر 1986. فقد كانت الفرضة شريان الحياة للبحرين ودول المنطقة، وأهم محطة لاستقبال البضائع من مختلف دول العالم، ليُعاد تصديرها إلى مختلف دول المنطقة.
وبعد قراءتي للكتاب زال استغرابي، حيث ذكر الشهابي في مقدمة الكتاب أن اختيار العنوان تم بتصرّف من عنوان كتاب “من نافذة السفارة” للمؤلف الدبلوماسي والمؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة، الذي يحكي خفايا أحداث ووقائع حدثت في فترة حرجة من تاريخ الدول العربية. وكما قال الشهابي: “الشعلة يروي، والشهابي يقرأ وينسج القصة بما يتوفر له من دلائل وقصاصات ومحاضر ومحطات تاريخية”.
وقد تواردت في ذهني صورة السيد علي بن يوسف فخرو، الرئيس السابق للغرفة، حينما دعا وفدًا من الكونغرس الأمريكي لزيارة الغرفة، وطلب منهم أن يطلّوا من نافذتها على باب البحرين ليشهدوا التنوع العرقي والديني والمذهبي للتجار العاملين في السوق. وكما قال الشهابي، فإن كل ذلك جعلنا نشعر وكأننا نطل من النافذة ذاتها بنظرة مزدوجة ولكن متناغمة، إذ يُطلان من خلال نافذة الغرفة على السوق التجارية، على التجار وحركتهم، وهي دلالة على الوضع الاقتصادي.
وليسمح لي الأستاذ الشعلة والأستاذ الشهابي باقتباس بعض أقوالهما عن تأليف الكتاب، الذي يجب أن يُقرأ بعناية؛ لأنه يربط الأحداث والوقائع بعضها بعضا، ويُعيد ملامح يكاد أن يمحوها الزمن، ويضع أجزاء الصورة لمجريات الأحداث في مكانها الصحيح. وفي هذا خدمة حقيقية لكتابة التاريخ من وجهات نظر متعددة.
أتمنى من رئيس الغرفة وبقية الأعضاء دعم تأليف كتابين آخرين، الأول يغطي الفترة التي سبقت أحداث كتاب الشعلة، من منظور أعضاء الغرفة السابقين، أطال الله في أعمارهم، ومن منظور أبناء أو معارف الأعضاء الذين فارقوا الحياة وانتقلوا إلى رحمة الله، وكذلك من أشخاص خارج الغرفة ممن عاصروا تلك الفترات، أو حتى ممن سمعوا عنها. أما الكتاب الثاني، فيكون مكمّلًا لكتاب الشعلة، من منظور الأحياء الذين عايشوا الفترات اللاحقة، أطال الله في أعمارهم.
إن كتاب الشعلة الحالي، والكتابين المزمع تأليفهما - إذا ما تم إصدارهما - إلى جانب الكتب التي قامت الغرفة مشكورة بإصدارها في السابق والحاضر، هي محاولة مهمة وتستحق الثناء؛ لأنها تُحافظ على أرشيف وتاريخ الغرفة العريق في البحرين بشكل خاص، وفي المنطقة بشكل عام. وهي خطوة مهمة لبناء أرشيف اقتصادي وطني يُوضع بين أيدي الباحثين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية.
وقد أكد السيد سمير ناس، أن الغرفة تعتز بهذا العمل؛ لأنه يُمثل خطوة في بناء أرشيف اقتصادي وطني نضعه بين أيدي الباحثين، وأكد التزام الغرفة بدعم المشاريع التي تحفظ تاريخنا، وتلهم أبناء هذا الوطن لمواصلة المسيرة بثقة. وقال الشعلة:
“على الرغم من أن الكتاب يستنطق الماضي، إلا أنه يرسي دعائم الاستفادة من هذا الماضي. فهذا الكتاب هو دعوة صادقة للأجيال القادمة لاستلهام العِبر من الماضي، والاستفادة من هذا الإرث الغني بالدروس والخبرات، من أجل المُضي قدمًا في تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا لمملكة البحرين واقتصادها”.
وقال الشهابي: “أدعو القارئ أن يدخل مباشرة إلى صلب الكتاب، لعلّي أكون قد غطّيت، من خلال سيرة عملية لرجل أعمال، جانبًا من الصورة البحرينية الاقتصادية في ذلك الحين، ومن خلال معايشته لعدد من المسائل البحرينية المتداخلة”.
كما تقدم الشهابي بشكر خاص لكل من السيد خالد المرباطي، الذي أدى دورًا محوريًا في مسح الصحف المحلية واقتناص قضايا الغرفة التي أضاءتها الصحافة في ذلك الوقت، بما له من خبرة عريضة في العمل بالغرفة لسنوات، وكذلك للسيد عبدالرحيم نقي، الذي شغل مناصب في الغرفة وفي اتحاد غرف دول مجلس التعاون لاحقًا؛ كونه أحد شهود المرحلة، وإلى كل من مدّ يد العون لإتمام هذا الكتاب.