أنا لا أسير مثلما يسير غيري في اتجاه معاكس للزمن والواقع، ويعتبر المجاملات في ساحتنا الأدبية والثقافية بيئة مشروعة ونهائية ودائمة بالمعنى القاطع الكلي والنهائي. الأمر يحتاج إلى جرأة غير عادية وانقلاب فكري كامل يقلب منطق العقل ووظيفته رأسًا على عقب، واكتشافي الأخير كان بمثابة استدارة كاملة على نفسي، استدارة لمئة وثمانين درجة، أدرت بها وجهي وظهري عن المجاملات التي أصبحت قرين ساحتنا الأدبية والثقافية ومحركها العظيم، ومحل الإعجاب. مجاملات تحول المبنى القديم المطلي بالغبار إلى مبنى جديد، وقصص وروايات “أي كلام” إلى خوارق ومعجزات، وأصحابها لا يعرفون أسرار الصنعة الروائية والمهارة والتكنيك والخبرة ومفهوم الاحتراف، ومع ذلك يطلقون عليهم “روائيين” ويستحقون هذا اللقب عن جدارة.
المجاملة سلاح بحدين، وعلينا أن نتجنب الحد المثلوم، ومن يفكر فعلًا في تنمية المواهب ودعمها فلا يجامل، بل يوطّد العزم على المواجهة والشجاعة ويتركها تنمو طبيعيًّا ساطعة تحت الشمس لغاية سن الرشد، لا أن يرتفع بنتاجها إلى مستوى الآثار الأدبية الرفيعة، ما يجعلهم ينعزلون في برج عاجٍ يتأملون الناس والأحداث من بعيد. غياب الإحساس الملتزم بالأمانة والإنصاف أطلق العنان للأشباح أو الأطياف لشق طريقها في ساحتنا الثقافية والأدبية، روائي، شاعر، قاص بكل الصور المفجعة، وما يجعلها تحتفظ لغاية اليوم بوحدتها وتماسكها هي المجاملات وإعطاؤها نمطًا جديدًا من الحياة في المنابر والمنتديات الثقافية والنشر السهل في الصحافة.
الرواية أو القصيدة هي محصلة موهبة وثقافة ومعاناة، ومن يجامل عليه الجلوس في كافتيريا مخصصة لكل شيء مذموم في الميدان الثقافي.