العدد 6052
السبت 10 مايو 2025
كوالالمبور تستقبل رؤية المنامة
السبت 10 مايو 2025

حين تعانق الرؤية الدبلوماسية فضاءً خصبًا ككوالالمبور، لا تكون عبورًا عابرًا في مشهد المؤتمرات، بل فعلًا واعيًا يستبق اللحظة ويستشرف ما بعدها. هكذا جاءت زيارة الوفد الوزاري البحريني إلى ماليزيا مطلع مايو، برئاسة وزيرة التنمية المستدامة نور بنت علي الخليف، ووزير الصناعة والتجارة عبدالله بن عادل فخرو، كمقدمة ذكية لانخراط متوازن في آسيا الصاعدة، تحضيرًا لقمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) - الخليج - الصين المرتقبة أواخر هذا الشهر. ومع ترؤس ماليزيا للرابطة الإقليمية لعام 2025، تبدو الشراكة مع البحرين مسارًا تكامليًّا واعدًا يجمع الاقتصاد بالرقمنة والثقافة بالاستدامة.

ووفقًا لبيان وزارة التجارة والصناعة والاستثمار الماليزية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 نحو 260 مليون دولار أميركي، منها 54.8 مليون دولار صادرات بحرينية، و943.3 205.6 مليون دولار واردات من ماليزيا. هذا التفاوت لا يعكس خللًا بقدر ما يفتح آفاقًا لتعزيز الحضور البحريني في السوق الماليزية من خلال استثمارات نوعية في قطاعات الصناعات الحلال والخدمات اللوجستية.

وتدل اللقاءات الواسعة التي أجراها الوفد البحريني -من رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إلى وزارات الاستثمار والاقتصاد الرقمي والقطاع الخاص- على تنوّع الملفات وعمق الاهتمام المتبادل. كما تناولت المباحثات إمكانية إنشاء حديقة صناعية ذكية ومركز خدمات عالمي، وتسهيل دخول المستثمرين البحرينيين إلى السوق الماليزية عبر هيئة تنمية الاستثمارات.

ومع اقتراب موعد القمة الثلاثية، تبرز أهمية تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج وماليزيا، والتي بدأت مفاوضاتها عام 2011. وقد تُشكّل البحرين عنصرًا إيجابيًّا في إعادة طرحها، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع الجانبين، ورؤيتها في توسيع مجالات التعاون، خصوصًا في الاقتصاد الرقمي الذي يشهد تقاطعًا ملحوظًا بين مبادرة “ماليزيا الرقمية” وسياسة “الحوسبة السحابية أولًا” البحرينية.

إن استقبال كوالالمبور لـ “رؤية المنامة” لم يكن حدثًا عابرًا في سجل اللقاءات الدولية، بل يُمكن قراءته كتمرين استراتيجي في الانفتاح على شرق يتشكّل، وشراكات تتعمق بعيدًا عن منطق المصالح الطارئة. فالعلاقة بين البحرين وماليزيا تتطور على إيقاع أكثر نضجًا، حيث تتقاطع فيه التقنية بالثقافة، وتنسجم فيه الاستدامة مع التبادل التجاري، ويتحول فيه التفاهم السياسي إلى شراكة مؤسسية.

وإذ تمضي البحرين نحو قمة آسيان - الخليج - الصين، فإن زيارتها إلى كوالالمبور تُشكل لبنة أولى في مشروع أكثر طموحًا يعيد تموضع الخليج ضمن قلب آسيا المتعدد الأبعاد. فالرؤية لا تُختزل في الأرقام وحدها، بل في قدرة الدولة على صياغة خطاب جديد يُقنع الشريك الآسيوي بأن الخليج ليس مجرد مورد، بل شريك في النمو، وقوة ناعمة تسعى إلى صياغة معادلة مستقبلية عادلة وواعدة للجميع.

 

* صحفي وكاتب إندونيسي، مهتم بشؤون منطقة جنوب شرق آسيا، مقيم في كوالالمبور

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .