العدد 6043
الخميس 01 مايو 2025
الأفكار تهمس بصوت مسموع.. هل تقرأ الخوارزميات أدمغتنا؟
الخميس 01 مايو 2025

في الزمن الذي أصبح فيه العقل شاشة عرض، والفكرة ومضة قابلة للالتقاط، يطل علينا سؤال لا يشبه سواه: هل تقرأ هواتفنا أفكارنا؟ ليس مجازًا ولا من فرط الشك، بل من وقائع يومية تهزّ اليقين: تفكر في شيء، دون أن تنبس ببنت شفة، فيقفز أمامك كإعلان، كمقطع فيديو، كهمسة إلكترونية مفصلة على ما دار في ذهنك قبل قليل.
ما الذي يحدث حين يفكر الإنسان، خلسة، ثم تستجيب له الآلة؟
كأن بين الفكر والكهرباء عصابة تتواطأ. كأن أفكارنا لم تعد ملاذًا داخليًا، بل إشعاعًا يمكن رصده، وفكّ شفرته.
لقد تعوّدنا أن نخضع، طواعية، لاتفاقيات التطبيقات، نمنحها الإذن بالدخول إلى الكاميرا، الميكروفون، الموقع، بل وحتى نبض القلب إن أمكن. كأننا نوقّع، لا على شروط استخدام، بل على تنازل ناعم عن ذواتنا. ومع ذلك، ظلّ العقل خطًا أحمر، معقلًا أخيرًا للحريّة. أو هكذا كنا نظن.
لكن ماذا عن تلك اللحظات العجيبة التي لا تُفسّر؟
حين يتذكر أحدهم، مثلًا، مكانا ما زاره من قبل، فيفاجأ مساء بلا بحث ولا نقر، بإعلانات لأحد عقارات ذلك المكان تطل عليه كضيف غير مدعو. أو حين يشتهي شخص نوعًا من الحلوى في صمت، فتنهال عليه الإعلانات من نفس النوع كما لو أن الهاتف اشتمّ ما لم يُنطق.
هل هي مصادفة؟ أم أن الخوارزميات باتت تنقّب داخل أرواحنا؟
الخبراء يتحدثون عن تقنيات ناشئة، تطوّرها شركات كبرى، تستطيع رصد الإشارات العصبية، ترجمتها، وربما - يومًا ما - رسم خريطة لما يدور في أذهاننا، لحظةً بلحظة.
تخيل أن نظرة العين، أو انقباضة عضلة، قد تكشف ما نخفيه حتى عن أنفسنا!
المرعب ليس فقط في التقنية، بل في احتمال غياب الخط الفاصل بين الفكر الخاص والمجال العام. أن تصبح الأفكار سلعة، تُستخرج وتُباع، تمامًا كما تُسحب الصور والكلمات من هواتفنا اليوم.
لسنا هنا في فيلم خيال علمي، بل في واقع يتسارع بوتيرة تجرف المنطق، وتستبق القوانين. فماذا لو أمكن استخدام هذه القدرة - لو صحت - في التأثير علينا، في توجيه رغباتنا، أو زرعها أصلًا قبل أن ندركها؟
بين الصدفة والتجسس خيط شفاف.
بين الخوارزمية والنية اختراق لا نراه.
بين الإنسان والتقنية سؤال يزداد إلحاحًا: هل ما زال لي حق أن أفكر وحدي؟
ربما لا نملك الإجابة الآن، لكننا نملك الخوف، والحدس، والحاجة الملحة إلى أن نعرف. إلى أن نرسم، أمام ذكاء لا يتعب، حدودًا لأفكار لا يجب أن تُرسم إلا داخلنا.
ففي زمن تذوب فيه الجدران بين الداخل والخارج، يصبح التفكير - لا الكلام - آخر قلاع الحرية.
ويا له من قصر هشّ، إذا ما عرفت الآلة كيف تدخله.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .